أثار طلب نتنياهو العفو من الرئيس الإسرائيلي، إسحق هيرتسوغ، جدلاً سياسياً وقانونياً في الداخل الإسرائيلي، خصوصاً حول التوقيت، والمضمون، والطريقة التي تم تقديم الطلب بها، والتبعات المترتبة على كلتا الحالتين، سواء تم منحه العفو، أو تم رفض الطلب.
بعد نحو خمس سنوات من توجيه الاتهام له في قضايا فساد تتعلق بالرشوة، والاحتيال، وخيانة الأمانة، وبعد نحو أسبوعين ونصف الأسبوع من طلب الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، من الرئيس الإسرائيلي منحه العفو، فاجأ نتنياهو الساحة الإسرائيلية بتقديم طلب رسمي لمنحه العفو باعتباره "ضرورة وطنية"، لإنهاء الانقسام الحاد بين الإسرائيليين الذي تسبب به هو نفسه، بما يعني إنهاء محاكمته، لكي يتفرغ، حسب قوله، لمواجهة تطورات غير مسبوقة ستشهدها المنطقة، خلال الأشهر المقبلة.
وذهب محللون إسرائيليون إلى أن نتنياهو اقتنع، أخيراً، بأن اتجاه محاكمته لا يسير لمصلحته، وأنه بات يخشى إدانته، في نهاية المطاف. وبالتالي، فقد وجد الفرصة مؤاتية، بعد مشاورات مع حلقته الضيقة، لتقديم طلب العفو، بعد أن كان حتى وقت قريب يرفض فكرة طلب العفو، ويصّر على إثبات براءته في المحكمة، انطلاقاً من أمرين، الأول أن طلب العفو سيؤدي إلى وضع مربح في كلتا الحالتين، وفق ما أقنعه المقربون، فإما أن يوافق الرئيس الإسرائيلي، وبالتالي سيتم إلغاء الاتهامات، ويتوقف المسار القضائي.
والثاني، إذا رفض الرئيس الإسرائيلي، أو جاءت موافقته مشروطة، أي مقابل الاعتراف والإقرار بالذنب، أو حتى في إطار صفقة شاملة يدفع بموجبها أثماناً سياسية، مثل الاعتزال السياسي، والتخلي عن التعديلات القضائية، وتبكير الانتخابات، وتشكيل لجنة تحقيق رسمية في أحداث 7 أكتوبر، وغير ذلك، فعندها يمكن القول للإسرائيليين إن خصومه السياسيين يحاولون إدانته عبر مسار خارج الأطر القضائية، وإن رئيس الحكومة تنازل عن "كرامته"، وطلب العفو، بينما المنظومة القضائية، بما فيها الرئيس الإسرائيلي نفسه، تتكتل لإدانته بأيّ ثمن. بل هناك في أوساط اليمين من لوّح بعقوبات قد يفرضها الرئيس ترامب على معرقلي إصدار العفو عن نتنياهو.
لكن مشكلة نتنياهو الحقيقية تكمن في إصراره على عدم الاعتراف بالذنب، وهو شرط وفق القانون الإسرائيلي لطلب العفو، فهو يريد ببساطة "كل شيء مقابل لا شيء"، أي أنه يريد العفو بلا أي ثمن، والذهاب للانتخابات التشريعية المقبلة على بياض، وبالتالي يرى كثير من المحللين أن تقديمه للطلب كان سياسياً، وليس قانونياً، وهو يدرك أن المسار القانوني سيستغرق أسابيع تتبدل خلالها المواقف والأحداث، فيما يصّر خصومه المعارضين على اعترافه بالذنب، وتنحيه عن الحياة السياسية، كشرط مسبق للحصول على العفو، ما دفع هيرتسوغ إلى التعهد، حسب قوله، بدراسة الطلب بـ"أفضل وأدق طريقة ممكنة"، بعيداً عن الصخب السياسي، وتجنباً لتعميق الانقسام، بدلاً من الخروج من الأزمة.
(الخليج الإماراتية)

