الاستحقاق الانتخابي.. والظروف الاقتصادية والتحديات الدولية المعقدة.. ثلاثية تلقي بظلالها فى خضم المواجهة المتشعبة التي يخوضها الشعب المصري الصامد، واختبار له أبعاده الهائلة.
ومن هنا فإن هذا الاستحقاق الانتخابي، لهو اختبار في التوقيت الأمثل الذي سيكشف عن همة هذه الروح الجماعية التي توحدت وتألقت حتى صارت سلمًا تصعد على أكتافه المصقولة بالشجاعة والصبر بلاد عظيمة نحو مجدها، سيثبتون قدرتهم على التمييز، ورسم مسار يعبر المياه الآسنة للسياسة المعاصرة بحروبها الملونة.
ففي ظل هذه الخلفية من الصعوبات الاقتصادية والتحديات العالمية، يأتي الاستعداد للانتخابات الرئاسية، والحق في المشاركة في العملية الديمقراطية التي يعتز بها الشعب المصرى، لقد رأوا حكامًا يأتون ويذهبون، وشهدوا ثورات وعدت بالتغيير، وشهدوا لحظات خيبة الأمل ولحظات من النشوة، لكنهم لا يزالون على موعد جديد من الآمال الملموسة التي حصدوا من ثمارها حياة جديدة كنتيجة لمسار صامد وعزائم رجال يفهمون قدر أوطانهم، ولتتجدد التطلعات بمواجهة قرار يمكن أن يشكل مستقبلًا مضافًا لبلد ضحى وتعب وبذل رجاله وشبابه الجهد والوقت من أجل ما هو عليه اليوم من مناخ بهي وزاه ينبئ بالكثير من ثمار الوعي والعمل الناضجة، والتي ازدهرت لتهزم قوى الشر، وترسخ من جديد تاريخا متصلا بعصور زاهية لأجداد علموا العالم كيف يكون الوطن.
الاستحقاق الانتخابي لمصر فى هذه الأوقات العصيبة سيكون فصلاً ذا أهمية عميقة (...) ومع اقتراب موسم الانتخابات، لابد أولا أن يتمسك الجميع بحق الممارسة السياسية في هذا الموقف، ومن قبل وجود حوار موضوعي ومدروس بين المرشحين والناخبين، لتوضيح الخطط المستقبلية ومواجهة العثرات المحتملة، وإستراتيجية خلق فرص العمل، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية، وضرورة تقديم رؤية للدور الذى تلعبه مصر على الساحة الدولية، الرؤية التي تعمل وتعزز دعائم السلام والاستقرار والتعاون الدولي، وأن يسود هذا الحوار مشاعر التفاهم والتواضع والاتفاق أولا وأخيرا على حب هذا الوطن ومصلحته، عبر الارتقاء بمستوى هذه المناسبة من قبل الأطراف الفاعلة في هذا الاستحقاق، الناخبين والمرشحين الذي من الضرورة إدراكهم أنهم لا يتنافسون على سلطة ما، بقدر ما يتنافسون على مكسب الوطنية الأبقى وهو ثقة الشعب المصري وفهم مسؤوليتهم أمام الله، كما يتعين عليهم إظهار التزامهم بمبادئ الديمقراطية والشفافية، والاستعداد ليكونوا قدوة يحتذى بها، لدعم سيادة القانون، وحماية حقوق وحريات المصريين، (...) وليكون الأمل جزءًا من الحملات الانتخابية، إضافة لنية حفظ الهوية والاستفادة من التراث الغني الذي أوجد كل هذا المد الحضاري الملهم، وتجاوز المصالح الضيقة والخطاب المثير للانقسام. (...) يجب على المرشحين الانخراط في حوار ونقاش بناء، مع التركيز على القضايا الأكثر أهمية للشعب المصري، وينبغى لهم أن يقدموا رؤيتهم المتنافسة للمستقبل وأن يسمحوا للناخبين باتخاذ خيار مستنير وطني، يمكنهم إظهار التزامهم بديمقراطية قوية ونابضة بالحياة، ديمقراطية تقدر تنوع الآراء.
إن الطريق أمام مصر محفوف بالتحديات، ولكنه مليء بالفرص أيضا، لقد أثبت الشعب المصري مرارا وتكرارا مرونته وقدرته على التغلب على المواقف مهما تكن، ولا تزال الفرصة قائمة لحصد ثمار إشراقةٍ كبرى للجمهورية الجديدة.
("الأهرام") المصرية