حضرتُ العديد من جلسات مؤتمر «حكاية وطن» والذى اختتم أعماله مساء الإثنين الماضي بإعلان الرئيس عبدالفتاح السيسي ترشحه لفترة رئاسية جديدة. كصحفى استفدت الكثير من البيانات والمعلومات التي قدمها الوزراء ومقابلة العديد من المصادر الصحفية. لكن كمراقب فإن أهم ما لفت نظري كان المنهج الذي اتبعه الرئيس السيسي في مصارحة الناس بحقيقة الأوضاع.
جرى العرف أن أي مرشح في أي انتخابات يقدم لجمهور الناخبين والرأي العام الصورة الوردية، ويعد الناس بوعود كثيرة، وعندما يفوز، يتحدث عن الصعوبات والمشاكل والتحديات التي تمنعه من تنفيذ غالبية هذه الوعود البراقة.
لكن السيسي خالف كل ذلك وطرح خلال مداخلاته المتعددة في جلسات المؤتمر المختلفة آراء وأفكارا وتوجهات لا يقدمها عادة المرشحون للناخبين، لأنها كما يعتقد كثيرون قد تكون صادمة لهم وتؤثر على شعبيتهم.
في اليوم الأول للمؤتمر قال الرئيس: «إذا كان البناء والتنمية والتقدم ثمنه الجوع والحرمان، فلنفعل ذلك، إوعوا يا مصريين تقولوا ناكل أحسن، فلو كان ثمن الازدهار أننا لا نأكل أو نشرب فلا نأكل أو نشرب، نريد أن يكون لدينا مكان على الخريطة في دولة 95٪ منها أرض صحراء. إوعى يكون حلمك يا مصري لقمة».
وجرت العادة أنه في الحملات الانتخابية لا يقال مثل هذا الكلام لأنه قد يضر بالفرص الانتخابية. خصوصا لدى الفئات غير المتعلمة أو المتأثرة بالأزمة الاقتصادية.
في اليوم الأول أيضا وخلال جلسة الطاقة قال الرئيس إن هناك 17 مليون مشترك في خدمة الكهرباء يحصلون على الطاقة بربع الثمن، وإن وزارة الكهرباء تأخذ برميل الغاز لإنتاج الكهرباء بـ3 دولارات وسعره عالميا 9 دولارات وقال الرئيس بوضوح إن الأسعار الخاصة بالغاز تضاعفت والدولة بحاجة لجلب الدولار من أجل تشغيل محطات الكهرباء ويجب أن نتحمل ذلك وألا نقوم بالاستدانة أكثر من ذلك، ومفهوم من كلام الرئيس أن تخفيف الأحمال هدفه توفير جزء من الغاز لتصديره للخارج حتى يمكن توفير جزء من العملة الصعبة التي نحتاجها وبالتالي فإن تخفيف الأحمال قد يستمر.
في اليوم التالي تحدث الرئيس عن قضية العلاقة بين المالك والمستأجر في الوحدات السكنية، وهي قضية شديدة الحساسية منذ أن قام الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر بتخفيض القيمة الإيجارية لهذه الوحدات في بداية السيتينات من القرن الماضي، وجعل العلاقة ممتدة وأبدية.
السيسي قال إن هذا أمر تجاوزته الظروف والأوضاع الآن، وأن الذين أصدروه واستفادوا منه قد رحلوا منذ عقود.
وبالتالي يفترض انطلاقا من كلمات الرئيس أن هذا الموضوع قد يكون قيد المناقشة والمراجعة في الفترة المقبلة.
وفي اليوم الثاني للمؤتمر أيضا تحدث الرئيس عن سد النهضة الإثيوبي واعتبره خانقا لمصر لفترة طويلة. وأرجع الرئيس إنشاء السد إلى حالة التراجع والتدهور والفوضى التي شهدتها مصر من ٢٥ يناير ٢٠١١ وأعطت لإثيوبيا الفرصة لبناء السد. قائلا إنه لولا هذه الحالة ما تمكنت إثيوبيا من الشروع في بناء السد.
فيما يتعلق بقضية المياه أيضا قال الرئيس إنه متوقع أن يزيد عدد سكان مصر بحلول عام ٢٠٥٠، وهم يحتاجون إلى ما بين ٢٥ ــ ٥٠ مليار متر مكعب من المياه، فكيف سنحصل عليها؟
وكان الرئيس يتحدث في سياق ضرورة ترشيد استخدام المياه بكل السبل، لكنه قال أيضا إننا بذلنا كل الجهود الممكنة في قضية ترشيد استخدام المياه سواء بتبطين الترع أو تحلية مياه البحر أو معالجة مياه الصرف الزراعي والصحي.
وبالتالي فإن الرئيس وضع المصريين أمام حقيقة المشهد المائي علما أن المواطن المصري يعاني شحا في المياه جعلت نصيبه ينخفض إلى النصف تقريبا عالميا.
بالطبع تحدث الرئيس عن جوانب متفائلة كثيرة، وأنه بالصبر والعمل ستعبر مصر أزمتها الراهنة، لكنه كان حريصا طوال الوقت على أن يقول للناس إنه لا يوجد أنهار من العسل في المستقبل القريب.
وظني أن هذا الأمر قد يكون مضرا على المستوى الشعبوي، لكنه منطق سليم جدا في التعامل بصدق وموضوعية وأمانة مع الناس لأنه ببساطة وإذا فاز الرئيس السيسي في الانتخابات فوقتها سيقول للناس إنني لم أخدعكم بل كنت أمينا معكم، وبالتالي فإن الخطوة القادمة هي اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمعالجة كل التشوهات الموجودة في الاقتصاد المصري، حتى لو كانت مؤلمة لغالبية الفئات خصوصا الطبقة الوسطى.
("الشروق") المصرية