صحافة

الانتخابات الرئاسية.. وفرص تغيير المعادلة السياسية

أحمد عبدربه

المشاركة
الانتخابات الرئاسية.. وفرص تغيير المعادلة السياسية

حتى وقت كتابة هذه السطور يبدو أننا أمام خمسة مرشحين ومرشحات محتملين ومحتملات لرئاسة الجمهورية بالإضافة إلى رئيس الجمهورية الذي أعلن في نهاية مؤتمر «حكاية وطن» عزمه إعادة ترشيح نفسه في الانتخابات التي تجرى في ديسمبر القادم، وحتى تعلن الهيئة الوطنية للانتخابات أسماء المرشحين النهائيين في ٩ نوفمبر القادم، بعد انتهاء مرحلة التوكيلات وتأكد اللجنة من استيفاء المرشحين للشروط التي ينظمها الدستور والقانون وإعلان القائمة المبدئية وتلقى الاعتراضات والتظلمات والفصل فيها بما فيها إجراءات الطعن ــ إن وجد ــ أمام المحكمة الإدارية العليا، فإننا سنكون أمام قراءات أولية لفرص المرشحين نظرا لاحتمالات استبعاد أحدهم حتى ذلك التاريخ.

تسعى هذه السطور إلى تقديم قراءة واقعية لفرص هؤلاء المرشحين دون ذكر الأسماء أو الصفات في محاولة للإجابة عن بعض الأسئلة المتلبسة أمام جمهور الناخبين والناخبات!

لنبدأ بالسؤال الأول والذي يتردد بكثرة بين المهتمين بالشأن العام، هل يمكن أن تسفر هذه الانتخابات عن تغيير الوضع القائم؟ هل يمكن أن ينجح أحد المرشحين المحتملين على حساب رئيس الجمهورية؟ أهمية هذا السؤال بالنسبة للبعض، هو إنه محدد لقرارهم بدعم أحد المرشحين المحتملين أو المشاركة في العملية الانتخابية أو مقاطعتها من الأساس، على اعتبار أنه لو كانت الإجابة بالنفي، فإنهم لا يرون أهمية للانتخابات وبالتالي لا يفضلون المشاركة فيها!

الإجابة على هذا السؤال مركبة، فمن ناحية، لا بد قبل الإجابة أن نحدد ما المقصود من الأصل بـ«تغيير الوضع القائم؟!»، إذا كان المقصود هو نجاح أحد المرشحين المحتملين على حساب رئيس الجمهورية الحالى فإن إجابتي على هذا السؤال هي بالنفى!

لا يبدو لي أن هناك احتمالات واقعية تشير لخسارة رئيس الجمهورية الحالي في الانتخابات الرئاسية لأسباب كثيرة، سآتي لها لاحقا! أما إذا كان المقصود هو أن يتغير الوضع السياسي القائم بمعنى أن تتغير المعادلة السياسية على الأرض فيتمكن المرشحون المحتملون للرئاسة من الحصول على مكاسب أخرى بخلاف الفوز في الانتخابات كأن يتمكنوا من بناء قواعد شعبية تعينهم في الانتخابات الرئاسية القادمة أو تمكنهم من تحقيق عدد أكبر من المقاعد في مجلسى النواب والشيوخ، فإن إجابتي هى بالإيجاب، بمعنى أن هذا احتمال قائم، ليس مؤكدا، ولكنه يظل ممكنا!

في ظني ــ ودون المصادرة على إجابة أحد ــ فإن المرشحين المحتملين يعلمون أن فرصهم في الفوز بانتخابات رئاسة الجمهورية تتراوح بين أن تكون محدودة لمنعدمة، ولكن لا يعني ذلك ــ على الأقل لبعضهم ــ أنهم يشاركون في مسرحية! هم يؤمنون بأن السياسة في النهاية هي عملية استغلال لكل الفرص الممكنة، وأنه في ظل الظروف السياسية ومعادلة القوة القائمة الآن فإن الانتخابات الرئاسية هي فرصة للظهور في الشأن العام، وتكوين روابط جماهيرية وبناء مساحات ثقة جديدة وحوار متصل مع أجهزة الدولة، وهي ثقة لا بد منها في ظل غياب الديموقراطية وفرص التعددية الحقيقية خلال السنوات العشر الماضية!

هنا ننتقل إلى سؤال ثانٍ، وهو مرتبط بالسؤال الأول، أو هو فى الحقيقة جزء من الإجابة عليه، لماذا لا توجد احتمالات لفوز مرشح جديد بالانتخابات الرئاسية؟ الحقيقة أنه حتى فرص الوصول إلى جولة الإعادة في هذه الانتخابات تظل شبه منعدمة، وهناك ثلاثة أسباب في رأيى تقف كعقبة أمام فوز أي مرشح جديد في هذه الانتخابات أو حتى الوصول إلى جولة الإعادة وهي على النحو التالى:

السبب الأول هو أن مرحلة «حياد مؤسسات الدولة» كمرحلة في تطور سياسات الدول نحو الانتقال الديموقراطي لم تأتِ بعد في الحالة المصرية! ما زالت الثقافة الحاكمة للجهاز الإداري والتنفيذي للدولة هو تأييد الرئيس القائم طالما أنه من داخل «دولاب» الدولة وممثلا لإحدى مؤسساتها القوية! هذا أمر يمكن رؤيته ببساطة في الإعلام المصري وجهاز الدولة الإداري بخصوص الانتخابات الرئاسية الحالية، ثقافة دعم الرئيس هي الحاكمة ومسألة الوقوف على مسافة واحدة من جميع المرشحين تظل غائبة عن مصر!

أما السبب الثاني فيتمثل في أن فكرة «تبادل السلطة» وخاصة لو أن التبادل سيكون بين رئيس جمهورية قائم وبين مرشح من خارج مؤسسات الدولة ليست محبذة ولا ممكنة ليس فقط عند جهاز الدولة الإداري ولكن حتى عند قطاعات معتبرة من المؤثرين على الرأي العام، بل وحتى ما زالت لا تجد الفكرة الاستساغة لدى قطاع معتبر من المواطنين وخاصة مع خبرة عام ٢٠١٢ والتي كانت غير جيدة بالنسبة لقطاعات واسعة من المواطنين المصريين! ما زالت الثقافة تدفع الناس للاعتقاد بأن رئيسا من خارج مؤسسات الدولة القوية تعني انعدام خبراته وعدم قدرته على إدارة الدولة وربما التصادم مع مؤسساتها كما حدث في ٢٠١٢!

فيما يأتي السبب الثالث متعلقا بالخوف من عودة الجماعات الإسلامية أو تيارات الإسلام السياسي إلى الحكم مرة أخرى! صحيح أن أيا من المرشحين المحتملين لا يمكن ربطه بهذه الجماعات وأية محاولة لإحداث هذا الربط هي في رأيى شديدة الإجحاف، ولكن يظل الخوف مسيطرا على بعض المواطنين المصريين من هذا الاحتمال! صحيح أن الخوف من عودة تيارات الإسلام السياسي للحكم قد قلّت كثيرا مقارنة مثلا بمعدلاتها التقديرية في ٢٠١٤ أو ٢٠١٨، ولكن ما زال لها حجتها عند قطاع من المواطنين حتى اللحظة، الخوف من أن يأتي رئيس جديد من خارج المؤسسات فيكون بوابة لعودة تيارات الإسلام السياسي ما زال يشكل خوفا عند البعض!

أما السبب الرابع فمتعلق بأداء المرشحين المحتملين، فحتى الآن لا تبدو أن هناك فرصة لتوحد التيارات السياسية المعارضة أو المستقلة خلف مرشح أو مرشحة واحدة وهو أمر لازم في حين كانت هذه التيارات راغبة في منافسة حقيقية على السلطة! في تقديري أن هذا التوحد غير ممكن الآن والقضية هنا ليست مجرد تفتيت الأصوات بين مرشحي المعارضة أو المستقلين، ولكنها تتعلق أيضا بضعف القدرات التنظيمية والتفاوضية لهذه التيارات وهو أمر واضح أمام الجماهير مما لا يجعل لها فرصا كبيرة للمنافسة لو ظلت أوضاعها كما هى دون تغيير!

وهنا تأتي محطة السؤال الأخير في هذه المقالة، لو صحت فرضية المقالة بأن مصر لن تشهد رئيسا جديدا في هذه الانتخابات، بل وأننا لن نذهب أصلا إلى مرحلة الإعادة لكل الأسباب المذكورة أعلاه، فما هو المطلوب من التيارات السياسية المعارضة والمستقلة بعد انتهاء هذه الانتخابات وفي الفترة القادمة والتي وبحسب الدستور المعدل فى ٢٠١٩ من المفترض أنها الأخيرة للرئيس الحالي؟

من حيث المبدأ، لا نعلم بعد إن كانت بالفعل ستكون الفترة الأخيرة، ولكن على أي حال علينا التعامل مع ظروف اللحظة الراهنة، والتي تقول إن أفضل ما يمكن للمعارضة المصرية تحقيقه هو الحصول على نسب معتبرة من الأصوات في هذه الانتخابات، ومحاولة مواصلة السعي بعد انتهاء الانتخابات للحفاظ على بعض المكتسبات التي تحققت على الأرض كمواصلة الاحتفاظ بالقواعد الشعبية وتأمين أكبر نسب ممكنة من التمثيل في البرلمان المصري بغرفتيه، والحفاظ على الحوار المفتوح والثقة في أجهزة الدولة للحفاظ على بعض المكتسبات، كملفات المساجين وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وغيرها، والسعي للمحافظة على الحدود التي وضعتها التعديلات الدستورية بخصوص الفترة الرئاسية القادمة باعتبارها الأخيرة للرئيس، والأهم من كل ذلك محاولة التنسيق للاتفاق على مرشح قادم لانتخابات ٢٠٢٩ يكون بمثابة مرشح وحيد للمعارضة وحركتها المدنية، فبدون هذه المحاولات سيكون من الصعب رؤية تغييرات حقيقة في المعادلة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن