من الواضح أن مرونة الطلب على النفط قد ازدادت في الأشهر الأخيرة، فكلما ارتفعت أسعار النفط تراجع الطلب بأعلى من معدل زيادة الأسعار، وهكذا تشهد أسعار النفط تقلبات حادة من موجة صاعدة إلى موجة هابطة متأثرة بارتفاع الدولار واحتمالية رفع الفدرالي لسعر الفائدة في ظروف اقتصادية عالمية مستقبلية مظلمة، ليصبح الخفض الطوعي "الخط الأحمر" الذي يفصل بين انهيار أسواق النفط واستقرارها ومنعها من الوصول إلى مستويات حرجة تهدد إمدادات وأمن الطاقة العالمية، إن تجاوز هذا الخط سيؤدي إلى انهيار أسعار النفط ووصولها إلى مستويات أقل من تكاليف إنتاج معظم الدول المنتجة، بل إن المسافة سوف تتسع وتصبح الخسائر أعظم بكثير من مكاسب زيادة الإنتاج.
فلم تعد أسواق النفط قادرة على قيادة نفسها بناءً على أساسياتها في اتجاه التوازن بين العرض والطلب، كما هو معتاد من ديناميكية الأسواق الحرة، بدون أي تدخل، وكما هو ملاحظ ارتفاع السحب من المخزونات التجارية والاستراتيجية ليس لأزمات طارئة بل لكبح جماح الأسعار التي ترتفع بداية الأسبوع ثم تعود إلى التراجع بمعدل أسرع في نهايته، مما يؤكد أن أسواق النفط في حاجة ماسة لإدارة منضبطة وتنظيم يقيها مخاطر ما لا تحمد عقباه، وهنا نتساءل هل تغيرت أساسيات الأسواق وأصبح الطلب على النفط مرناً للغاية؟ فعندما ترتفع الأسعار بنسبة ما يتراجع الطلب بنسبة أكبر والعكس صحيح؟ وهل سياسة العرض ما زالت مجدية في ظل الظروف الاقتصادية والسياسية والتشدد النقدي لإعادة التوازن الى الأسواق؟
إن الحديث ليس عن اقتراب ذروة النفط وإنما عن مرونة الطلب مقابل ارتفاع الأسعار التي بدأت ترتفع مدعومة بالسحب من المخزونات أو رفع أسعار الفائدة أو تغير سلوك المستهلكين نحو استهلاك أقل، لقد بدأ هذا المشهد يتبلور في أسواق النفط العالمية بشكل متسارع، فعندما ارتفعت أسعار النفط الى ما فوق 95 دولارا في الأسبوع ما قبل الماضي تم البيع بكثافة من قبل المتداولين وتكرر ذلك في الأسابيع اللاحقه، مما يعني وصول الأسعار إلى سقف المقاومة. وما زالت أسعار النفط ستشهد تقلبات حادة مستمرة وهو الذي أوصل المنتجين إلى قناعة تامة أن استقرار الأسعار على المدى القريب أفضل من ارتفاعها عند الحد الأدنى الممكن من تخفيض الإنتاج.
إنه من الخطأ الاعتقاد أن أسعار النفط مرتفعة جدا هذه الأيام، حتى ولو تجاوزت 90 دولارا، فليست القيمة الحقيقية للأسعار اليوم كما كانت منذ عقد أو عقدين من الزمن مع تراكم معدلات التضخم، فلم تعد الأسعار تحفز منتجي النفط الصخري الأميركي على زيادة إنتاجهم مع تراجع عدد منصات الحفر وفرض القيود البيئة والفدرالية، ولكن حافظ النفط الصخري على استقرار مستوى الإنتاج عند 12.9 مليون برميل يوميا على الأقل في الوقت الحالي، حيث أصبح الانضباط والكفاءة والعوائد للمساهمين هي محور الاستثمار، وبهذا أصبح نمو إنتاج النفط الأميركي محسوبًا وأكثر صعوبة، ليس فقط بسبب إنتاجية الآبار وتقلص مساحة المستوى الأول في العام الأول من عمر البئر، ولكن أيضًا بسبب انضباط رأس المال وتغير عقلية المشغلين.
إن المتوقع أن يتباطأ نمو الطلب على النفط هذا العام والعام المقبل، مما قد يخلق فائضاً في معروض النفط من داخل وخارج الأوبك+ ومن النفط الصخري الأميركي، ليبقى الخط الرفيع بين استقرار أسواق النفط وملاحقة الطلب هو استمرار تخفيض أو تعميق أوبك+ لإنتاجها وبالتحديد التخفيض الطوعي السعودي الروسي.
("الرياض")