على الرغم من الاختلاف العميق في التاريخ والجغرافيا بين أوكرانيا والحرب الدائرة على أرضها مع روسيا منذ 20 عامًا، وفلسطين والحرب التي تجري على أرضها المقدسة منذ 7 أكتوبر الماضي، إلا أنه وحده الرئيس الأمريكي جو بايدن ــ الذي في محاولة لدعم حلفائه في كييف وتل أبيب ــ تجاوز حقائق الجغرافيا وبديهيات التاريخ ليجمع روسيا بوتين وحماس في بوتقة واحدة، فقال في هذا الصدد صراحة في 20 أكتوبر الماضي بعد عودته من زيارة إسرائيل التي أعلن فيها دعمه الكامل لها في قتل الفلسطينيين: «إن حماس وبوتين يمثلان تهديدات مختلفة، لكنهما يشتركان في أن كلاهما يريد تدمير الديمقراطية المجاورة بالكامل».
يستطيع المراقب أن يقول إن ما تشترك فيه المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكري الإسرائيلي وروسيا هو أنهم قد كشفوا تراجع الولايات المتحدة الأمريكية كبلد قائد للعالم يمتلك نفوذا يمكنه من بسطه على الجميع خصوصا في لحظات ذروة الأزمات.. ففي المسرح الأوكراني، ورغم مرور 20 شهرا على الحرب إلا أن بايدن يعاني الإحباط تلو الإحباط، نتيجة الشعور المتزايد بأن مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات وجمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية قد فشلت في زحزحة القوات الروسية عن خطوطها في العمق الأوكراني ولو لعدة أميال محدودة.
بالإضافة إلى أن الصلابة الروسية ثبتت الرئيس الأمريكي أمام خطوط حمر يقاتل هو لعدم تجاوزها خوفا من الانزلاق إلى التهديد النووي الذي أثبت التلويح الروسي به بين الحين والآخر مفاعيله في كبح الحماس الأمريكي ــ الأوروبي لدعم كييف إلى ما لا نهاية، فضلا عن اعتراض الجمهوريين في الداخل الأمريكي على المضي قدما في تقديم الدعم لكييف.
وفي المحصلة لم تخسر روسيا حتى اليوم، كما أنها لم تتنازل عن أهدافها الاستراتيجية التي تبدو أنها حققتها بالكامل ولم يفت من عضدها القتال الشرس على مدى الأشهر العشرين الماضية، فهي ثابتة صلبة في مواقعها، وأثبتت أنها قادرة على التمسك بالأرض بعد أن ضخمت الآلة الإعلامية الغربية من هجوم الربيع أو الهجوم المضاد الرئيسي لأوكرانيا الذي لاقى الفشل الذريع.
إنّ مضي إسرائيل فى ارتكاب المجازر في غزة جعل أصوات الأمريكيين العرب والمسلمين تتعالى ضد سياسة الرئيس جو بايدن، وأصبح مطلب وقف إطلاق النار مطلبا أساسيا يتردد في المظاهرات والنشاطات التي ازدادت واتسع مداها، فقد كانت المظاهرة التي نظمها تحالف يضم منظمات داعمة لفلسطين في واشنطن يوم الرابع من نوفمبر الحالي واحدة من أكبر التظاهرات في تاريخ قضية دعم فلسطين في العاصمة الأمريكية، على حد وصف شبكة BBC. والأهم من ذلك أن هذه الفاعليات المنددة بسياسة الرئيس الأمريكي الداعمة لآلة القتل الإسرائيلية تجاوزت العرب والمسلمين إلى مجموعات كبيرة من الشباب الأمريكي اليهودي والسود والأمريكيين اللاتينيين والآسيويين وهي مجموعات تصوت غالبا للحزب الديمقراطي ومرشحه في الانتخابات الرئاسية، ولعل ذلك يفسر تقدم ترامب على بايدن في استطلاعات الرأي العديدة التي أجريت في أمريكا الشهر الحالي.
بحكم دروس التاريخ يستطيع المرء أن يقول باطمئنان إن الدماء الذكية الطاهرة التي سالت في غزة من النساء والأطفال والمدنيين العزّل ستغيّر حكومات وتقضي على مستقبل رؤساء وتقض مضاجع أنظمة.. وعلى وجه التحديد في أمريكا وإسرائيل.
("الشروق") المصرية