في قراءة أسباب التحوّل في الموقف الأميركي، تشير مصادر متابعة، عبر "عروبة 22"، إلى مجموعة من المعطيات، تبدأ من "الإدارة الحالية التي كانت في الأصل، ومنذ ما قبل عملية "طوفان الأقصى"، قد وجّهت العديد من الإنتقادات إلى الإئتلاف الحكومي في إسرائيل"، وصولًا إلى المخاوف التي باتت تتملك هذه الإدارة "من التداعيات التي من الممكن أن يتركها استمرار العدوان، لا سيما على صعيد وضعية بايدن الانتخابية، التي تعبّر عنها إستطلاعات الرأي الأخيرة"، من دون التقليل أيضًا من انعكاسات هذه التداعيات على "العلاقات الأميركية مع العديد من الدول العربية والإسلامية، التي تعتبر حليفة لواشنطن".
لكن ما تقدّم، لا يعني أنّ واشنطن في وارد التراجع عن دعم تل أبيب في العدوان الذي تشنّه على قطاع غزّة، لكن أقصى ما تريده في المرحلة الراهنة هو "وضع ضوابط لها"، بحسب المصادر، التي ترى في المقابل أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "يواجه معضلة حقيقية، نظرًا إلى أنّ أيّ تراجع من قبله من الممكن أن يمثّل تهديدًا جديًا للإئتلاف الحكومي ولمستقبله السياسي على حد سواء، خصوصًا وأنّه سيكون مجبرًا بعد أي انتخابات مبكرة على خسارة موقعه، فضلًا عن احتمال أن يكون عرضة للمحاسبة الداخلية بسبب ما حصل خلال "طوفان الأقصى"، وهو ما كانت قد عبّرت عنه صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" العبرية، تحت عنوان: "الأحزاب اليمينية المتطرّفة في إسرائيل تحبط بايدن، ونتنياهو أيضا يشكّل عقبة أمام رؤيته".
إنطلاقًا من ذلك، توضح المصادر نفسها أنّ "الخلاف الحقيقي هو حول إدارة الحرب والخطط وليس حول الأهداف، لا سيما أنّ واشنطن هي من أبرز داعمي إسرائيل وتحول دون فرض وقف إطلاق النار فرضًا عليها في مجلس الأمن الدولي"، مشيرةً في الوقت عينه إلى أنه "على المستوى الداخلي الإسرائيلي، هناك أيضًا خلافات تكتيكية بين مجموعة من القيادات السياسية والعسكرية، خصوصًا داخل المجلس الحربي، بينما على المستوى العام فإنّ الجميع يتفق على الغاية التي من المفترض أن تتحقق، أي إنهاء التهديد الذي تمثله "حماس" عبر استمرار الحرب على غزّة".
أما بالنسبة إلى الخلافات في وجهات النظر بين الجانبين الأميركي والإسرائيلي، فهي تعود إلى "مجموعة واسعة من الأسباب، التي تشمل النظرة إلى كيفية إستمرار العمليات العسكرية، حيث تعتبر واشنطن أنّ على تل أبيب الإنتقال إلى مرحلة جديدة، عنوانها الذهاب إلى "عمليات جراحية" تستهدف "حماس" والإقلاع عن القصف العشوائي والتدمير الشامل في قطاع غزّة، بالإضافة إلى وجود خلافات متعلقة بـ"اليوم التالي"، أي تلك المتصلة بخطط إدارة القطاع بعد إنتهاء الحرب، لا سيما أنّ القيادة الإسرائيلية تبدي مواقف متشدّدة في هذا المجال، من دون تجاهل تباينات أخرى تتعلق بجبهة جنوب لبنان، خصوصًا بعد أن تصاعدت في الفترة الماضية الأصوات الإسرائيلية التي تتطالب بتنفيذ عملية عسكرية ضد "حزب الله"، وهو الأمر الذي لا تزال ترفضه واشنطن خشية اتساع رقعة الصراع".
وبالنسبة إلى التداعيات التي من الممكن أن تتركها هذه الخلافات على المرحلة المقبلة، تدعو المصادر المتابعة إلى "ترقّب ما قد ينتج عن الزيارة التي قام بها مستشار الأمن القومي جيك سوليفان إلى تل أبيب، مباشرةً بعد الإنتقادات العلنية التي توجه بها بايدن إلى نتنياهو وحكومته"، لافتةً إلى أنه بالتزامن مع هذه الزيارة، التي كان الهدف منها البحث في مستقبل العمليات العسكرية، سواءً في قطاع غزة أو جنوب لبنان، برزت تسريبات في صحف أميركية تتحدث عن "أدوات الضغط التي من الممكن أن تستخدمها واشنطن ضد تل أبيب، ومنها التقليل من حجم المساعدات العسكرية التي تقدمها لها وذلك في أعقاب إعراب العديد من القيادات الإسرائيلية عن التصميم على استكمال العدوان على غزّة بغض النظر عن الموقف الدولي".
في المحصّلة، تبدي المصادر قناعتها بأنّ "تل أبيب لا يمكنها في نهاية المطاف أن تتجاهل الموقف الأميركي، بالرغم من المعاندة التي لا تزال تبديها"، وترجح في ضوء ذلك "أن تشهد المرحلة المقبلة تجاوبًا إسرائيليًا مع بعض المطالب الأميركية، لكن على أن تبقى الترجمة العملية رهن مزيد من البحث والتشاور حول الآليات التطبيقية لتخفيف حدة الصراع"، لتخلص إلى الإعراب عن اعتقادها بأنّ "هذا الأمر قد يكون حصل عليه مستشار الأمن القومي الأميركي، على شكل تعهّدات إسرائيلية بالعمل على تنفيذ ما تطالب به واشنطن، وفي طليعتها وقف إعتداءات المستوطنين في الضفة الغربية كخطوة أولى"، لكن المصادر تنبّه في الوقت عينه إلى أنّ ذلك لا يعني "وقف العدوان على قطاع غزة بشكل كامل، في وقت قريب، بل مجرد تغيير الأساليب التي تخاض فيها الحرب، وتحديد الأولويات بشكل أدق".
(خاص "عروبة 22")