وفي الأيام الماضية، برز الحديث عن جملة عروضات قدمّها الجانب الإسرائيلي عبر الوسطاء إلى "حماس" تتمحور حول إمكانية الذهاب إلى هدنة لمدة أسبوع أو أكثر، مقابل إطلاق 40 محتجزًا إسرائيليًا، وسط تقاطع التصريحات والمعطيات عند التأكيد على كون حكومة الحرب الإسرائيلية لا تفكر بوقف النار ولا بإنهاء العدوان على غزّة، بل أقصى ما يمكن أن توافق عليه هو الإتفاق على هدنة جديدة، لا سيما وأنّ بنيامين نتنياهو جدّد رفض أي وقف لإطلاق النار "قبل أن تحقق إسرائيل الأهداف التي وضعتها"، وفي مقدّمها القضاء على "حماس". الأمر الذي ردت عليه الفصائل الفلسطينية المعنية بشكل صارم وواضح بإعلان رفضها أي محادثات بشأن تبادل الأسرى الإسرائيليين "إلا بعد انتهاء العدوان".
وتعرب مصادر حركة "حماس" عن قناعتها بأنّ ما تم التداول به مؤخرًا من الجانب الإسرائيلي "يرتبط بالمأزق الداخلي الذي تواجهه حكومة الإحتلال"، نتيجة تزايد الضغوط من قبل عائلات الأسرى، خصوصاً بعد مقتل 3 منهم بنيران الجيش الإسرائيلي، مشددةً عبر "عروبة 22"، على أنه "ليس هناك ما يبرّر أن تقدّم فصائل المقاومة مثل هذه "الخدمة" لحكومة الإحتلال، بل، على العكس، المطلوب تدفيعها ثمن ما تقوم به من مجازر بحق المدنيين"، وتضيف: "تكرار سيناريو الهدنة السابقة، يعني إعطاء الفرصة لنتنياهو للخروج من المأزق الحالي".
لكن ما هي الأسباب التي تدفع الحكومة الإسرائيلية، إلى الإصرار على رفض وقف إطلاق النار، بالرغم من أنها من الناحية العملية لم تنجح في تحقيق أي من الأهداف التي كانت قد أعلنتها في بداية العدوان، إنما هي تمعن أكثر فأكثر، مع إستمرار المعارك العسكرية، في إغراق نفسها في مجموعة متشابكة من الأزمات؟!
في قراءة مصادر فلسطينية متابعة لـ"عروبة 22"، هناك العديد من الأسباب والتحديات التي تمنع تل أبيب من المبادرة إلى وقف إطلاق النار، بالرغم من كل الضغوط التي تتعرّض لها، "فهي في الأصل تجاوزت نظرية الحرب القصيرة، أي إنهاء العمليات القتالية في وقت قصير، التي كانت تعتمدها في الماضي، بالرغم من التداعيات الاقتصادية الخطيرة الناجمة عن استمرار العدوان"، موضحةً أنّ "أبرز هذه التحديات، يكمن بعدم القدرة على معالجة التداعيات الناجمة عن عملية "طوفان الأقصى"، على المستويين الأمني والعسكري، حيث لا تستطيع حكومة الإحتلال أن تقدّم مبرّرات يُقنع المستوطنين بالعودة إلى منازلهم، أو ضمانات بعدم إمكانية تكرار تعرّضهم لما تعرّضوا له في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الفائت"، مع إشارتها في الوقت عينه إلى أنّ "هذا الواقع ينطبق أيضًا على ما يحصل على مستوى جبهة جنوب لبنان، حيث تجد نفسها في مواجهة مخاوف مماثلة يعبّر عنها سكان المستوطنات الشمالية".
ما تقدّم، يدفع المصادر الفلسطينية إلى لفت الانتباه إلى الخلفيات الكامنة وراء رفض الاحتلال وقف إطلاق النار، باعتبار أنّ "أيّ وقف لإطلاق النار في الوقت الحالي وفي الوضع الميداني الراهن، سيمثّل من وجهة النظر الإسرائيلية هزيمة عسكرية لا يمكن تقبّلها، ولذلك لا تزال حكومة الحرب ترفع شعار القضاء على "حماس" لتبرير استمرار العدوان على غزّة"، مشيرةً من هذا المنطلق إلى أنّ "المعضلة الإسرائيلية الأكبر تكمن بالخلافات الداخلية التي ستنجم عن أي وقف لإطلاق النار، نظرًا إلى أنّ الإئتلاف الحكومي الحالي لن يكون قادرًا عندها على الصمود، ما سيضع نتنياهو حكمًا على مسار المحاسبة السياسية وربما القضائية".
وفي هذا الإطار، كان وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير قد هدّد صراحةً نتنياهو بتفكيك الحكومة، في حال أوقف الحرب على قطاع غزّة، قائلاً: "في حال نوى أحدهم وقف الجيش الإسرائيلي قبل إخضاع حركة "حماس" وإعادة جميع المختطفين، فليأخذ بالحسبان أنّ "عوتسما يهوديت" (حزب "القوة اليهودية" الذي يترأسه) لن يكون معه".
وفي المحصلة، يرى المراقبون من الضروري التوقف بتمعّن عند بعض التسريبات الصحافية الإسرائيلية الأخيرة، التي تتناول وضع أهداف جديدة تسبق وقف إطلاق النار، منها ما عبّرت عنه صحيفة "يديعوت أحرنوت" بقولها: "الحديث عن حروب المستقبل يهدف إلى إخفاء كآبة الحاضر، وربما تكون خان يونس المحطة الأخيرة فيما يسميه الجيش المرحلة الصعبة من الحرب، وستكون الخطوة التالية أكثر تواضعًا".
(خاص "عروبة 22")