قضايا العرب

محور "فيلادلفيا".. هل يغامر نتنياهو بالعلاقات مع مصر؟

القاهرة - محمد خيال

المشاركة

مع نقل جيش الاحتلال الإسرائيلي معاركه البرية إلى جنوب قطاع غزّة، واقترابه من مناطق التماس مع الحدود المصرية، فوجئت القاهرة بتصريحات من قيادات رسمية إسرائيلية تشير إلى نيّتهم السيطرة على محور "فيلادلفيا" والذي يُعرف فلسطينيًا أيضًا بـ"محور صلاح الدين"، بزعم قطع شريان إمدادات السلاح لفصائل المقاومة، في اتهام مبطن لمصر بغض الطرف عن دخول أسلحة إلى القطاع. أما مصر فأعلنت من جانبها بشكل قاطع رفضها للمخططات الإسرائيلية الرامية لاحتلال المحور، مشيرةً إلى أنّ تلك النوايا تمثل انتهاكًا لبعض بنود اتفاقية "كامب ديفيد" الموقّعة عام 1979 بين الجانبين، وهو ما فتح الباب أمام تساؤلات عديدة بشأن إمكانية تأثير توجهات حكومة بنيامين نتنياهو على العلاقات المصرية – الإسرائيلية التي رسّمتها اتفاقية السلام منذ نحو 40 عامًا.

محور

قضية محور "فيلادلفيا" عادت إلى الواجهة مجددًا في أعقاب تصريحات نتنياهو التي ربط فيها نهاية القتال في غزّة بإغلاق ما وصفه بثغرة المحور.

نتنياهو، قال خلال مؤتمر صحفي منتصف الشهر الجاري: "من الواضح أننا لا نستطيع إنهاء الحرب حتى نغلقه (محور فيلادلفيا)، فنحن سوف ندمّر "حماس"، وسنقوم بتجريد غزّة من السلاح، وستستمر المعدات العسكرية وغيرها من الأسلحة الفتاكة في الدخول عبر هذا المنفذ الجنوبي، لذلك بالطبع نحن بحاجة إلى إغلاقه"، وأردف: "هناك طرق مختلفة يمكننا من خلالها إغلاقه، ونحن ندرسها ولم نتخذ أي قرارات بعد، باستثناء شيء واحد: يجب إغلاقه".

استفزازات إسرائيلية

في الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي شنّت قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومًا استثنائيًا على طول الحدود بين مصر وقطاع غزّة، بحجة تدمير الأنفاق التي تستخدمها المقاومة لتهريب الأسلحة، في حين كشفت هيئة البث الإسرائيلية عن نية حكومة الاحتلال السيطرة على محور "فيلادلفيا"، من خلال تسريبها تصريحات لنتنياهو، خلال اجتماع مغلق للجنة الخارجية والأمن في الكنيست.

وفي الثالث والعشرون من ديسمبر/كانون الأول الماضي، أعاد جيش الاحتلال الكرّة، عبر مناورة قصيرة في المنطقة الحدودية بين معبر كرم أبو سالم ورفح، ثم تراجع بعد اشتباك عنيف مع المقاومة.

وفي الثاني من يناير الجاري قام وزير الحرب يوآف جالانت بجولة في محور "فيلادلفيا" تحدث خلالها لعدد من الجنود قائلًا: "الشعور بأننا في طريقنا للتوقف غير صحيح".

في غضون ذلك زعم ضابط سابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، أنّ مصر هي الخطر القادم على بلاده، وأنّ لدى القاهرة مصلحة كبيرة في استمرار القدرات العسكرية لحركة "حماس" في قطاع غزّة. وفي التاسع عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، وخلال مقابلة مع إذاعة تابعة لصحيفة "معاريف"، قال المقدم المتقاعد إيلي ديكال، الرئيس السابق لفرع الأبحاث الميدانية في شعبة الأبحاث بـ"أمان"، إنّ "مصر منذ عام 1956 لديها مصلحة كبيرة في تآكل قوتنا، ما يجعلنا نشرب الدماء من كل أنواع المنظمات مثل "فتح" التي أسّسوها، وكل أنواع الأشياء التي فعلوها بين الحروب من أجل استنزافنا، بينما يغسلون أيديهم نظيفة".

وأضاف الضابط السابق بالاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "بما أن لدينا اتفاقية سلام، وهناك أيضًا مصالح أمريكية، فإنّ هناك مصلحة مصرية كبيرة في إضعاف قوتنا".

"خط أحمر" مصري

وباستثناء التعليقات التي نشرت ونُسبت لمصادر وُصفت بـ"رفيعة المستوى"، التزمت مصر الرسمية الصمت، لكن مع تكرار ما يوصف بـ"الحماقات الإسرائيلية"، خاصة بعد اتهام تل أبيب للقاهرة أمام محكمة العدل الدولية بمسؤوليتها عن عدم دخول المساعدات لقطاع غزّة، توالت المواقف الرسمية المصرية، وكان أحدثها البيان الصادر عن ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، والذي أكد خلاله على أنّ المحور بمثابة "خط أحمر بالنسبة لمصر لن تسمح بتخطيه".

وأكد رشوان أنّ أيّ تحرك إسرائيلي في هذا الاتجاه، سيؤدي إلى تهديد خطير وجدّي للعلاقات المصرية – الإسرائيلية، لافتًا إلى أنّ مصر فضلًا عن أنها دولة تحترم التزاماتها الدولية، هي قادرة أيضًا على الدفاع عن مصالحها والسيادة على أرضها وحدودها، و"لن ترهنها في أيدي مجموعة من القادة الإسرائيليين المتطرّفين ممن يسعون لجر المنطقة إلى حالة من الصراع وعدم الاستقرار".

واعتبرت القاهرة "الأكاذيب" الإسرائيلية بشأن تهريب الأسلحة عبر الشريط الحدودي لقطاع غزّة، محاولة لخلق شرعية لسعيها إلى احتلال ممر "فيلادلفيا" بالمخالفة للاتفاقيات الموقّعة، وفق البيان الذي وصف الإدعاءات الإسرائيلية بأنها "استمرار لسياسة الهروب للأمام التي تتبعها الحكومة الإسرائيلية بسبب إخفاقاتها المتوالية في تحقيق أهدافها المعلنة للحرب على غزّة، كونها تبحث عن مسؤول خارجها لهذه الإخفاقات".

"اتفاق فيلادلفيا"

وتُعتبر المنطقة العازلة المعروفة بمحور "فيلادلفيا" إحدى نتائج معاهدة "كامب ديفيد" للسلام بين مصر وإسرائيل عام 1979، والتي نصّت على إنشاء منطقة عازلة على طول الحدود بين الطرفين.

ووفقًا للاتفاقية، فإنّ المنطقة الحدودية التي تقع على الأراضي الفلسطينية، والتي أطلق عليها (د) تخضع لسيطرة القوات الإسرائيلية التي حددت بحسب الاتفاقية بكتائب مشاة، تصل إلى 180 مركبة مدرعة من الأنواع كافة، وطاقم مكون من 4 آلاف عنصر، إضافة إلى منشآت عسكرية وتحصينات ميدانية.

ومنعت الاتفاقية وجود أي قوات مسلحة مصرية على الأراضي المصرية المتاخمة للحدود الفلسطينية التي أطلق عليها (ج)، وسمحت فقط للشرطة المدنية المصرية بأداء مهام الشرطة الاعتيادية بأسلحة خفيفة.

وظلت القوات الإسرائيلية مسيطرة على المنطقة (د) إلى حين انسحابها من قطاع غزّة منتصف أغسطس/آب 2005، وتسليمه للسلطة الفلسطينية التي مُنحت الإشراف على المناطق الحدودية والمعابر، بوجود مراقبين من الاتحاد الأوروبي.

في سبتمبر/أيلول 2005، تم توقيع "اتفاق فيلادلفيا" بين إسرائيل ومصر الذي تعتبره تل أبيب ملحقًا أمنيًا لمعاهدة السلام 1979، وتقول إنه محكوم بمبادئها العامة وأحكامها.

ويتضمن الاتفاق نشر قوات مصرية على الحدود الفاصلة مع القطاع، وتُقدّر تلك القوات بنحو 750 جنديًا من حرس الحدود المصري، مهمتهم تتركز في مكافحة التسلل عبر الحدود والتهريب والكشف عن الأنفاق.

ووفقًا للاتفاقية، تم السماح بوجود 4 سرايا للقوات المصرية، مسلحة بسلاح خفيف، تم تحديده بـ504 بنادق أوتوماتيكية و9 بنادق قناصة و94 مسدسًا و67 رشاشًا و27 صاروخ "آر بي جي" و31 مدرعة من المدرعات الخاصة بالشرطة و44 سيارة جيب و4 سفن في المنطقة الحدودية البحرية للمراقبة، و8 مروحيات غير مسلحة للاستكشاف الجوي، و3 أجهزة رادار للكشف عن المتسللين.

وفي عام 2007، سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزّة، وخضع محور "فيلادلفيا" لهيمنتها وإدارتها بالكامل.

"كامب ديفيد" في مرمى النيران

ويرى الدكتور أحمد فاروق، خبير الأمن الإقليمي ومستشار المركز الوطني للدراسات، بُعدًا آخر من المخاوف المصرية إزاء تواجد دائم لقوات إسرائيلية في محور "فيلادلفيا"، متمثلًا في مشكلة قد تطال الأمن القومي المصري، كون أنّ تلك القوات الإسرائيلية التي ستتواجد كعازل بين مصر وقطاع غزّة ستكون محل استهداف دائم من جانب فصائل المقاومة القطاع، وهو ما سيجعل الشريط الحدودي بمثابة كرة لهب.

ويؤكد فاروق في حديثه مع "عروبة 22" أنّ ما تروّجه تل أبيب بشأن منطقة محور "فيلادلفيا" لا يعد كونه "أكاذيب ومزاعم"، كون مصر أغلقت هذا الملف منذ عدة سنوات عندما فرضت سيطرتها بشكل كامل على الشريط الحدودي وأغلقت كافة الأنفاق في إطار حربها ضد الإرهاب في سيناء، حيث كانت تمثل تهديدًا في تلك الفترة.

ويضع مستشار المركز الوطني للدراسات، مغامرة نتنياهو بشأن محور "فيلادلفيا"، في إطار "محاولته إطالة أمد الحرب، وصنع انتصارات وهمية وتحدٍ جديد يغازل به اليمين المتطرّف والشارع الإسرائيلي في ظل فشله في تحقيق أي من أهدافه المعلنة، والمتمثلة في إعادة الأسرى، والقضاء على قوة حماس".

وحول تأثير توجهات نتنياهو على العلاقات المصرية - الإسرائيلية، يشدد فاروق على "وجوب أن يدرك المجتمع الإسرائيلي أنّ اتفاقية كامب ديفيد هي الخيار الأمثل لتلك العلاقات"، محذرًا من "لعب نتنياهو بالنار التي ستطال المنطقة بالكامل، إذ إنّ تلك المخططات ستبعث الروح من جديد في الجماعات المسلحة، خاصة إذا ما تبنّت هذه الجماعات خطابًا ينحاز للقضية الفلسطينية كما ظهر في المجموعة التي أطلقت على نفسها كتائب الفاروق".

وكانت مجموعة تطلق على نفسها "كتائب الفاروق" في سيناء، قد أعلنت مؤخرًا إسنادها للمقاومة الفلسطينية في معركتها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي. وأصدرت بيانًا مصوّرًا، أكدت خلاله أنها ستعمل على استهداف قوات الاحتلال انطلاقًا من الأراضي المصرية.

وجاء إعلان المجموعة عن نفسها عقب محاولة عدد من المسلحين اختراق الحدود بين مصر والأراضي المحتلة في النقب، عند معبر العوجة، وهي الواقعة التي قالت السلطات المصرية إنها كانت "مواجهة مع مهرّبي مخدرات".

وأعاد ظهور المجموعة المزعومة إلى الأذهان حقبة من محاربة الإرهاب التي عاشتها محافظة شمال سيناء، وسقط خلالها الكثير من قوات أفراد الشرطة والجيش المصريين وأبناء المحافظة.

خلاصة القول إنّ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وفي سبيل إنقاذ رقبته قبل مستقبله السياسي، لم يعد يعبأ بأية خطوط حمراء، إذ لم يكفه تعريض أمن المنطقة بالكامل للخطر إزاء تصاعد فرص اتساع رقعة الصراع بالإقليم، فأخذ "يلعب بالنار" في ملف شديد الحساسية متعلّق باتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، عبر محاولات لإحياء مشروعات إسرائيلية تعود لحقب سابقة وذلك بوضع الشريط الحدودي تحت سيطرة قواته، في وقت تحاصَر فيه القاهرة بالدعوات الشعبية لإعادة النظر في اتفاقية "كامب ديفيد" والعلاقات مع الكيان الصهيوني إثر ما يتابعه المصريون من مجازر يومية في قطاع غزّة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن