في المبدأ، يتقاطع كل المحللين عند قناعة تامة باستحالة استمرار العدوان الإسرائيلي على القطاع كل هذه المدة لولا الدعم الأميركي المتواصل، بحيث تكتفي واشنطن بالمواقف الدعائية الداعية إلى الهدنة ووقف استهداف المدنيين، لكنها على أرض الواقع لا تبادر إلى اتخاذ أي خطوة عملية تقود إلى تحقيق هذه الغاية، بل على العكس من ذلك تواصل تسليح الجيش الإسرائيلي بمختلف أنواع الذخائر التي تمكّنه من الاستمرار في حربه الدموية على الفلسطينيين، من دون مجرّد التلويح بتعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل للضغط باتجاه لجمها عن ارتكاب المزيد من المجازر في القطاع.
لكن بعد التداعيات التي تركتها مجزرة شارع الرشيد، على مستوى الرأي العام الدولي، وجدت الإدارة الأميركية نفسها مضطرة إلى ركوب موجة "الإنزال الجوي" للمساعدات غذائية إلى سكان غزّة، في مشهد بدا "مُذلًا للولايات المتحدة"، بحسب سفيرها السابق في دمشق روبرت فورد، الذي أشار إلى أنّ ما حصل "يُعدّ أسوأ إذلال إسرائيلي للولايات المتحدة شهدتُه في حياتي".
في هذا الإطار، تتزايد حدة الانتقادات التي تتعرض لها إدارة بايدن بسبب طريقة تعاطيها مع حرب غزّة، وتؤكد أوساط فلسطينية مراقبة لـ"عروبة 22"، أنّ قرار إسقاط المساعدات الإغاثية بالمظلات على غزّة إنما يمثل "مظلة لتبييض صورة الرئيس الأميركي، الذي بات يدرك جيدًا حجم التداعيات التي ستتركها الحرب على المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة"، حيث عمد على سبيل المثال، نحو 100 ألف مشارك في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغان إلى التصويت بـ"عدم الالتزام" في صندوق اقتراع بايدن، بعد نجاح الحملة الداعية إلى معاقبة الرئيس الأميركي انتخابيًا على دعمه حرب "الإبادة الجماعية" الإسرائيلية على غزّة.
وتوضح الأوساط نفسها، أنّ "الأصوات العربية والإسلامية مؤثّرة في العديد من الولايات المتأرجحة بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وهي في حال حُجبت عن بايدن، حتى ولو لم تذهب إلى منافسه المحتمل الرئيس السابق دونالد ترامب، فستقود حتمًا إلى خسارة الرئيس الحالي السباق الرئاسي، خصوصًا أنّ هذه الولاية كانت من الولايات التي ساهمت بفوزه في الانتخابات الماضية".
وبحسب دراسة، صدرت العام الماضي عن مركز خدمة أبحاث الكونغرس، قدّمت الولايات المتحدة لإسرائيل مساعدات، منذ 1948 حتى مطلع 2023، بقيمة 158.66 مليار دولار دون احتساب معدّل التضخم، وفي حال احتسابه فإنها تصل إلى 260 مليار دولار. بينما طلبت، في نهاية الشهر الماضي، من تل أبيب التوقيع على التزام، مفاده أنها "لن تستخدم السلاح الأميركي بصورة تنتهك القانون الدولي"، الأمر الذي أوضح المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر أنه لا يقتصر على إسرائيل، بل "ينطبق على جميع الدول التي تتلقى أسلحة أميركية".
من جانبه، يشير الناطق باسم حركة "حماس" في لبنان وليد كيلاني، في حديث لـ"عروبة 22"، إلى أنّ "الولايات المتحدة شريكة في العدوان بلا أدنى شك، من خلال المساعدات التي تقدّمها إلى إسرائيل"، مع التذكير بأنها لجأت إلى استخدام حق "الفيتو"، في مجلس الأمن الدولي، لمنع وقف إطلاق النار 3 مرات، ويضيف: "أرسلت أميركا لإسرائيل أكثر من 230 طائرة و20 باخرة محمّلة بالأسلحة، عدا عن سائر أنواع الدعم المالي والعسكري واللوجستي".
ويضع كيلاني "التباكي الأميركي" على أهل غزّة اليوم، في خانة "النفاق السياسي الذي تمارسه إدارة بايدن خشية تداعيات موقفها الداعم لإسرائيل على أوضاعها الداخلية"، حيث يركّز في هذا المجال على حادثة إقدام الطيار الأميركي آرون بوشنل على إحراق نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، معتبرًا أنه سيكون لهذه الحادثة "تداعيات كبيرة في المرحلة المقبلة"، فضلًا عن "تأثيرات المظاهرات الداعمة للشعب الفلسطيني والمستمرة في العديد من الولايات الأميركية".
(خاص "عروبة 22")