ورغم مرور عامين على الهدنة التي رعتها الامم المتحدة إلا أنّ الجهود الأممية والمبادرات المحلية فشلت في إقناع الحوثيين بفتح الطرقات وبالذات تلك التي تربط مناطق سيطرتهم بميناء عدن، أو تلك المؤدية إلى مدينة تعز، حيث يضطر السكان إلى السفر عبر طرق التفافية وفرعية تستغرق من 18 إلى 22 ساعة بعد أن كانت تُقطع هذه المسافة بحوالى 6 ساعات.
ومع تأجيل التوقيع على خارطة الطريق بشأن السلام التي أعلنت الأمم المتحدة التوافق بشأنها نهاية العام الماضي، بسبب تطورات الوضع في جنوب البحر الأحمر واستهداف الحوثيين السفن التجارية الإسرائيلية والأمريكية والبريطانية، أطلق نشطاء وكتّاب وصحافيون حملة شعبية للمطالبة بفتح الطرقات لتنعش الآمال بتجاوز حالة الركود التي تعيشها مسيرة السلام في اليمن.
يحاصرون تعز ويريدون فك حصار غزّة!
الحكومة المعترف بها دوليًا كانت السباقة بإعلانها فتح الطريق الرئيسي الذي يربط محافظة مأرب بالعاصمة صنعاء، والذي أُغلق منذ بداية المواجهات. لكنّ الحوثيين وإن لم يستجيبوا لهذه الخطوة اضطروا وتحت ضغط الرأي العام إلى الإعلان عن فتح طريق آخر يربط مأرب بصنعاء عبر مديرية خولان وهو طريق لا يصلح لعبور ناقلات البضائع ولا حافلات الركاب الكبيرة لكنه في ظرف الصراع يخفف من معاناة المدنيين في تنقلاتهم خاصة وأنّ مأرب هي المنفذ الرئيس الذي يربط اليمن بالسعودية.
وإذا كانت حالة انعدام الثقة لا تزال تسيطر على المشهد في محافظة تعز، فقد ذهب الجانب الحكومي لإعلان فتح الطريق الرئيسي الذي يربط وسط عاصمة المحافظة مع ضاحية الحوبان الخاضعة لسيطرة الحوثيين، ومع ذلك رد الحوثيون وأعلنوا فتح طريقين فرعيين إلى المدينة، تقول السلطات إنهما لا يلبيان الحاجة الفعلية لسكان المدينة الذين يزيد عددهم على ثلاثمائة ألف نسمة.
ووسط ضغط الرأي العام المستنكِر لموقف الحوثيين الذين يبررون هجماتهم على سفن الشحن في البحر الأحمر بغرض إرغام إسرائيل على انهاء الحصار عن قطاع غزّة في حين يستمرون هم أنفسهم في حصار تعز ويرفضون فتح الطرقات الرئيسية بين المدن، أعلنت جماعة الحوثي فتح طريق حيفان طور الباحة في محافطة لحج والذي كان المسافرون عبره يمضون نحو ساعتين عند العبور من طريق التفافي، في حين أنّ الطريق الذي تم فتحه يختصر المسافة إلى عشر دقائق.
طريق صنعاء - عدن
وفي خطوة ستشكل منعطفًا مهمًا في مسيرة التسوية، أعلن وزير الأشغال في حكومة الحوثيين غالب مطلق بدء الترتيبات لفتح طريق صنعاء – الضالع – عدن، وكذا طريق صنعاء – البيضاء – أبين – عدن. وأكد البدء بعملية التنسيق والتواصل لفتح هذين الطريقين المهمين اللذين يخدمان ملايين اليمنيين، لأنهما من أهم الطرق الرئيسة والحيوية الرابطة بين العديد من المحافظات.
الوزير في الحكومة غير المعترف بها، أقر بأهمية هذه الخطوة التي تتزامن مع حلول شهر رمضان المبارك، وقال إنه سيكون لها أثر كبير في تخفيف معاناة ملايين المواطنين. وأعاد تأكيد الحرص على إنجاح هذه الخطوة التي من شأنها أن تختصر وقت قطع المسافة بين ميناء عدن حيث توجد العاصمة المؤقتة للبلاد ومدينة صنعاء من 24 ساعة إلى أقل من بضعة ساعات، وذلك بدوره سيخفف من معاناة اليمنين الذين يقصدون العاصمة المؤقتة للسفر إلى الخارج بسبب توقف الرحلات من مطار صنعاء واقتصارها على رحلة واحدة في اليوم إلى الأردن.
ولا يقتصر تأثير هذه الخطوة على تخفيف معاناة المسافرين فحسب، لكنها ستؤثر أيضًا بشكل مباشر على حركة البضائع وتكاليف النقل بحيث كانت الناقلات تستغرق ثلاثة أسابيع من أجل الوصول إلى صنعاء بدلًا عن أسبوع واحد قبل إغلاق هذا الطريق الحيوي من قبل الحوثيين بهدف إرغام التجار على الاستيراد عبر موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرتهم.
وبعيدًا عن التأثير المباشر لفتح الطرق على حركة السكان والبضائع، فإنّ هذه الخطوة تُشكّل في نظر قطاع عريض من اليمنيين مؤشرًا هامًا على إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام قريب بعد شهور من الإحباط جراء الأحداث في جنوب البحر الأحمر والمرتبطة بتطورات الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهي الأحداث التي رحّلت إلى أجل غير مسمى التوقيع على خارطة الطريق بشأن السلام.
المبعوث الأممي.. ومقترحات وقف دائم للنار
هذه التطورات ترافقت وإنهاء العميد أنتوني هايورد، المستشار العسكري للمبعوث الأممي الخاص باليمن والوفد المرافق له، زيارة إلى مناطق سيطرة الحكومة لمناقشة ما أسمتها المصادر الرسمية "مقترحات لوضع آلية لوقف دائم لإطلاق النار والفصل بين تصعيد الحوثيين في البحر الأحمر وخليج عدن ومسار السلام في البلاد".
وناقش زير الدفاع اليمني الفريق محسن الداعري خلال لقائه مع الفريق العسكري الأممي، الجهود الأممية لوضع آلية لوقف دائم لإطلاق نار، وأعاد التأكيد على أنّ الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي مع السلام المستدام الذي يلبي تطلعات الشعب اليمني ويستعيد دولته وفق القرارات الدولية ذات الصلة، لكنّ الداعري نبّه في المقابل إلى أنّ جماعة الحوثيين ترفض السلام وتنقلب على الاتفاقيات والمواثيق وتفر إلى التصعيد العسكري والحرب عند كل منعطف يؤدي الى إحلال السلام. وشكى الوزير اليمني من استمرار اعتداءات الحوثيين على مواقع القوات الحكومية واستهداف السفن التجارية وطرق الملاحة البحرية في البحر الاحمر وخليج عدن "لتنفيذ أجندة ايرانية وزيادة التوتر في المنطقة".
وحسب الوزير اليمني، فقد زادت وتيرة تهريب الأسلحة الإيرانية وبكميات كبيرة الى الحوثيين بعد فتح ميناء الحديدة، مشيرًا الى أنّ الضغوط الدولية على الحكومة الشرعية لمنع تحرير ميناء الحديدة قد اكتوى بنارها الجميع، وحذّر مما أسماها "الكارثة البيئية الوشيكة" بعد غرق السفينة "روبيميار" التي استهدفها الحوثيون بما تحمله من مواد ضارة على البيئة البحرية والصيادين.
بدوره المستشار العسكري للمبعوث الأممي، ووفق المصادر الحكومية، استعرض مقترحات لآلية وقف إطلاق النار بشكل دائم تمهيدًا للانتقال إلى أي تسوية قادمة "بغض النظر عن المستجدات الحالية في البحر الأحمر وباب المندب"، لكنّ المصادر لم تذكر تفاصيل هذه المقترحات والتي سبق مناقشتها خلال اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة التي عُقدت العام الماضي في العاصمة الأردنية.
(خاص "عروبة 22")