تصاعدت في الآونة الأخيرة موجة الإحتجاجات أمام السفارة الإسرائيلية في عمان، مع العلم أنها في الأصل كانت قائمة منذ الأيام الأولى لبداية العدوان على قطاع غزّة، لكن الخشية آخذت تزداد أمنيًا جراء ارتفاع حدة الشعارات التي تطلق خلال هذه الاحتجاجات بشكل يهدد الأمن القومي الأردني، ما دفع بعض المسؤولين إلى التأكيد أنها تحركات غير بريئة، في حين تصاعدت الدعوات الرسمية في بعض الدول العربية، إلى حماية الأردن من أي إستهداف لأمنه، خصوصًا أنّ هناك من ربط ما يحاك ضد الأردن بمخططات حركة "الإخوان المسلمين" والأجندة الإيرانية.
من الضروري الإشارة إلى أنّ نقطة الخلاف الأساسية كانت قد ظهرت، بعد صدور دعوة عن رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في الخارج خالد مشعل، طالب فيها الأردنيين بالنزول إلى الشارع، وذلك بالتزامن مع إعادة بث مقتطفات من كلمة كان قد وجهها قائد كتائب "القسام"، الجناح العسكري للحركة، محمد الضيف، دعا فيها إلى الزحف من الأردن ولبنان وغيرهما من دول الجوار نحو الأراضي الفلسطينية. ما دفع الناطق باسم الحكومة الأردنية مهند مبيضين إلى التشديد على أنّ أيّ محاولات للتحريض على الدولة الأردنية، هي محاولات يائسة تريد أن تشتت البوصلة، متهمًا "حماس" بالعمل على كسب الشعبية رغم الدمار الذي حلّ بغزّة.
وانطلاقًا من ذلك، لا يُنظر إلى هذه التحركات على أساس أنها بريئة، خصوصًا أن الأمن العام الأردني كان قد أعلن عن إلقاء القبض على عدد من مثيري الشغب في منطقة البقعة، إثر قيامهم بأعمال شغب وتخريب، وإشعال النيران، وإلقاء الحجارة على المركبات بالطريق العامة. وأشار إلى أنّ الوقفات شهدت "تجاوزات وإساءات ومحاولات للاعتداء على رجال الأمن العام، ووصفهم بأوصاف غير مقبولة على الإطلاق"، فضلًا عن محاولات تخريب واعتداء على ممتلكات عامة وخاصة.
النظرة المريبة إلى هذه التحركات، تعود، بحسب ما تشير مصادر متابعة عبر "عروبة 22"، إلى أنها تتناقض مع الموقف الأردني الحاسم، الذي وقف إلى جانب الشعب الفلسطيني في هذا العدوان منذ البداية، رافضًا كل مشاريع تهجير سكان غزّة بإتجاه سيناء المصرية، التي يدرك الجميع أنها قد تكون مقدمة لأخرى من الضفة الغربية بإتجاه الأردن. وبالتالي، ترى المصادر أن مثل هذه الدعوات، إنما يُراد منها تهديد الأمن الداخلي الأردني، متسائلةً: "ما هي المصلحة من هكذا دعوات تثير الإنقسامات حولها، بينما المطلوب تعزيز الموقف الداعم للقضية الفلسطينية؟".
أما بالنسبة إلى الإتهامات التي توجه بوقوف الجانب الإيراني خلف التحريض على تخريب الساحات العربية، فهي تعود إلى المعلومات عن أصابع إيرانية وراء تنسيق الإتصالات القائمة بين قيادات من الحركة الإسلامية في عمّان وأخرى من حركة "حماس"، فضلًا عما كان يحصل على الحدود العراقية الأردنية، في بداية العدوان، من تحركات لفصائل عراقية مسلحة موالية لطهران، تم خلالها منع شاحنات نفط من العبور إلى الأردن، وكذلك الأمر بالنسبة للأحداث الأمنية المتتالية عند الحدود السورية – الأردنية والتي تقف وراءها ميليشيات وعصابات محسوبة على جبهة الممانعة المدعومة من إيران والنظام السوري.
من ناحيته، يشير الباحث الأردني في الشؤون الفلسطينية أيمن الحنيطي، إلى أنّ ما حدث في الأيام الماضية هو "إنحراف في بوصلة الاحتجاجات بسبب وجود أشخاص يخدمون أجندات بعض الجهات"، لكنه يوضح لـ"عروبة 22، أنه "تم إحتواء الوضع من خلال التعامل المحترف معه، وبالتالي عادت الأمور إلى نصابها، لناحية أنّ البوصلة يجب أن تبقى فلسطين والتناغم لا بد أن يبقى بين الدولة والشعب الأردني".
ويؤكد الحنيطي أنّ الساحة الأردنية مستهدفة من قبل إيران وغيرها من الجهات، بدليل التصريحات التي تصدر عن قيادات في الميليشيات التابعة لطهران، معتبرًا أنّ هناك من يحاول إستغلال هذه الأوضاع لتنفيذ أجندات خاصة، إلا أنّ الرهان يبقى على وعي الشعب الأردني.
وبالتزامن، يستغرب الحنيطي التصريحات التي صدرت عن بعض قيادات "حماس"، خصوصًا خالد مشعل "الذي كان الأردن قد أنقذه في الماضي من محاولة إغتيال الموساد الإسرائيلي"، مشددًا على أنّ "أسلوب هذه التصريحات والسعي إلى تحريك الشارع الأردني ينم عن عدم إحترام للسيادة والدولة، في حين هي يجب أن تكون أكثر وعيًا واحترامًا لدعم الشعوب العربية لفلسطين، وعلى الأخصّ الشعب الأردني الذي هو الأكثر دعمًا لغزة ومقاومتها".
(خاص "عروبة 22")