وجهات نظر

مصر.. واختبار "اجتياح رفح"

دون موافقة مصرية لا يمكن أن تُقدم إسرائيل على اجتياح مدينة رفح الفلسطينية التي يتكدّس بها نحو 1.5 مليون نازح فلسطيني لجأوا إلى تلك المنطقة الحدودية هربًا من العدوان الإسرائيلي الذي أسقط عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، فدخول قوات عسكرية إسرائيلية إلى ذلك الشريط الضيّق يُعد خرقًا واضحًا لمعاهدة السلام التي تم توقيعها بين القاهرة وتل أبيب عام 1979.

مصر.. واختبار

وفي الوقت الذي تصاعدت فيه حدة التهديدات بدخول قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مدينة رفح الفلسطينية لـ"تحقيق الانتصار الكامل.. وتدمير الكتائب الأربع التابعة لحماس المتبقية هناك"، بضوء أخضر من الولايات المتحدة، حسبما نقلت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية، بدا أنّ هناك تراجعًا في موقف القاهرة الرافض بشكل قاطع وفق ما كرره مسؤولون مصريون لأي "عملية عسكرية تدفع بالنازحين الفلسطينيين في رفح إلى التوجّه للحدود المصرية"، ما يعطي مبررًا لفتحها لاستقبال عشرات الآلاف منهم بدوافع إنسانية.

قبل أيام سُئل وزير الخارجية المصري سامح شكري عما إذا كان من الممكن أن تفتح مصر أبوابها ولو "مؤقتًا" للسماح بدخول اللاجئين الفلسطينيين من غزّة، في حال تنفيذ عمل عسكري في رفح، فقال إنّ مصر ستواصل العمل بما يحقق مصلحة الشعب الفلسطيني، مضيفًا: "الطريقة التي ستفعل بها ذلك ستعتمد على الظروف".

إجابة شكري غير الحاسمة على سؤال مراسلة محطة CNN بيكي أندرسون، تم تأويلها بأنّ مصر تراجعت عن مواقفها المعلنة برفض أي عملية إسرائيلية عسكرية في رفح لأنها تُمثّل "إخلالًا بالملحق الأمني لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل".

ما عزّز من سيناريو إعادة القاهرة النظر في موقفها السابق بالرفض القاطع لدخول قوات برية إسرائيلية إلى المنطقة المتاخمة لحدودها الشرقية والمعروفة بالمنطقة (د) وفق التسمية الواردة في الملحق الأمني لمعاهدة السلام، التقارير الصحفية التي تحدثت عن "جاهزية واستعداد مصر على طول الشريط الحدودي مع قطاع غزّة، ضمن خطة للتعامل مع سيناريو الاستعداد لاجتياح جيش الاحتلال لمدينة رفح".

نقلت تلك التقارير عن مصادر -مجهلة- أنّ مصر كثّفت من استعدادها على الحدود بعد اتصالات من الجانب الإسرائيلي، جرى خلالها إخطار المسؤوليين المعنيين في مصر بتنفيذ ضربات في محور فيلادلفيا، ولفتت المصادر إلى أنّ القاهرة "وجدت نفسها مضطرة للتعامل على أرض الواقع مع العملية العسكرية المرتقبة، من أجل تخفيف حدة التداعيات التي تترتب عليها، في ظل التفاهمات الجديدة بين الإدارة الأميركية وحكومة الاحتلال".

مصدر مصري مسؤول: أي عمليات عسكرية على حدودنا تحوّل مخطط التهجير إلى أمر واقع

بالتزامن، تحدث مراقبون عن تراجع نسبي في الموقف المصري الذي ظل منذ بداية الحرب يحذر من إقدام جيش الاحتلال على اجتياح محور فيلادلفيا أو إقامة منطقة عازلة على الحدود، ما يهدّد معاهدة السلام.

وعزا البعض ما وُصف بأنه "خفوت نبرة" المسؤولين المصريين فيما يخص قضية اجتياح رفح،  إلى "ما حصلت عليه القاهرة من تدفقات مالية من جهات غربية مانحة خلال الأسابيع الأخيرة، والتي أنقذت الاقتصاد المصري من انهيار وشيك".

"لا يمكن للقاهرة أن تبيع موقفها، لا سيما أنّ عملية اجتياح رفح تُمثّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، فأي عمليات عسكرية على حدودنا تحوّل مخطط التهجير إلى أمر واقع"، يقول مصدر مصري مسؤول لكاتب هذه السطور، مؤكدًا أنّ الجهات الغربية أو العربية المانحة قررت التدخل لإنقاذ الاقتصاد المصري حتى "لا تحدث أي هزات في البلد التي يعتبرها هؤلاء قاعدة استقرار مهمة في الشرق الأوسط".

المصدر رفيع المستوى، أكد أنّ مصر لا تزال على موقفها الرافض لأي عملية عسكرية في رفح، لافتًا إلى أنّ تصريحات وزير الخارجية لم تخرج عن هذا السياق، فضلًا عن أنه أعاد التأكيد على موقف البلاد في تصريحات لاحقة خلال اتصال هاتفي مع نظيره البولندي رادوسلاف سيكورسكي، يوم الخميس ١٨ أبريل/نيسان الجاري، شدد فيها على "رفض مصر التام لأية عملية عسكرية في رفح الفلسطينية، نظرًا لتداعياتها الإنسانية الخطيرة".

آخر رسائل القاهرة، التي اعتبرها المصدر كاشفة لطبيعة الموقف المصري، ما ورد بكلمة مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة السفير أسامة عبد الخالق، والتي أكد فيها أنّ مصر لن تقبل أو تتهاون مع أي مسعى إسرائيلي لاستغلال الظرف الإقليمي للهجوم على رفح الفلسطينية أو توسيع نطاق عملياتها العسكرية فى غزّة، ودعا فيها مجلس الأمن إلى إصدار قرار بموجب الفصل السابع لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار وفتح المعابر لإنفاذ المساعدات، كما دعا إلى استصدار قرار بمنع تصدير السلاح لإسرائيل ومحاسبتها عن الجرائم التي ارتكبتها.

في إحدى جولات التفاوض التي جرت في القاهرة مطلع الشهر الجاري، أوصت القاهرة تل أبيب بعدم تدمير حركة "حماس" في قطاع غزّة بالكامل، مشيرةً إلى أهمية الإبقاء عليها، لتكون جزءًا من خطط ما يُسمى "اليوم التالي" للحرب على القطاع. بحسب ما نقلته إذاعة الجيش الإسرائيلي في 3 أبريل/نيسان الجاري.

قد يذهب نتنياهو إلى إشعال المنطقة بالتضحية بالعلاقات مع أول دولة عربية عقدت مع بلاده اتفاق سلام

لم ولن ينصت نتنياهو إلى النصائح المصرية، كما لم يقنع بالضغوط الغربية الداعية إلى وقف العدوان في غزّة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى إلى مد أجل الحرب إلى أبعد مدى حفاظًا على مستقبله السياسي والشخصي، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، قد يذهب إلى حد إشعال المنطقة سواء بتنفيذ ضربة على إيران أو بالتضحية بالعلاقات مع أول دولة عربية اعترفت ببلاده وعقدت معها اتفاق سلام.

على مصر أن تدرك جيدًا ما يرمي إليه رئيس الحكومة الإسرائيلية، فإقدام جيشه على اجتياح رفح لن يقضي على كتائب "حماس" المتبقية في جنوب القطاع على حد زعمه وحسب، بل سيكون له تداعيات خطيرة على أمنها القومي.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن