إذا كانت الإهتمامات الشعبية بالقمم العربية قد تراجعت على امتداد السنوات الأخيرة، نتيجة الفشل في تحقيق الأهداف المرجوة، بالحد الأدنى، منها، تفرض الأحداث الجارية النظر إلى هذه القمّة على أساس أنها قمة مفصلية لا تملك ترف تكرار إخفاقات سابقاتها، نظرًا إلى حجم التحديدات التي باتت تفرض نفسها على الساحة العربية المستباحة. وعليه أضحى من المُلحّ خروج العرب بقرارات وخطط واضحة، تعيد إحياء روحية العمل العربي المشترك واستنهاض المشروع العربي الواحد لكبح جماح المشاريع العدوانية والدخيلة على المنطقة العربية.
في هذا السياق، ترى مصادر دبلوماسية عربية أنّ "العنوان الأساسي يجب أن يكون إستعادة القضية الفلسطينية، كقضية عربية بالدرجة الأولى، بدل أن تكون ورقة يتم المساومة عليها بين القوى الإقليمية والدولية المتصارعة"، مشددةً عبر "عروبة 22" على أنّ "العدوان على غزّة أسقط العديد من الأقنعة وكشف أنّ المخططات الإسرائيلية لا تهدد فلسطين فقط، بل تطال العديد من الدول العربية الأخرى، لا سيما على مستوى المساعي المستمرة لتهجير سكان القطاع نحو سيناء المصرية، في خطوة يُنظر إليها على أساس أنها ستكون مقدّمة لتهجير سكان الضفة الغربية نحو الأردن".
وبالتوازي، تؤكد المصادر الدبلوماسية نفسها وجوب "عدم التغاضي عن سعي الجانب الإيراني إلى إستخدام القضية الفلسطينية، كورقة مساومة من أجل تحقيق مصالحه على حساب مصالح العرب ودماء أبنائهم، بينما هو يخوض مفاوضات مع الولايات المتحدة ويتبادل الرسائل مع إسرائيل، بدليل ما حصل قبل أسابيع على خط "واشنطن – تل أبيب – طهران" من تقاطع علني يؤكد عدم وجود أي رغبة أو نية لدى أي من هذه الأطراف الثلاثة لخوض مواجهة مباشرة في ما بينها والاكتفاء بعمليات محدودة، مباشرة أو بالوكالة، تستبيح الساحات العربية لتحقيق مآرب كل منها وترسيم نقاط مواقعها على خارطة موازين القوى الإقليمية. وليس أدل على ذلك ممّا خلصت إليه عمليات "الرد والرد المضاد" بين إيران وإسرائيل من إيقاع مضبوط تحت سقف "ضابط الإيقاع" الأميركي إثر إستهداف مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق، لناحية الاسنعراض بالذخيرة الحيّة لقدرات كل منهما في اختراق فضاء سيادة الدول العربية، استكمالًا لمشروع تهشيم مفهوم الأمن القومي العربي، ومخطط تفتيت الدول العربية بدءًا من فلسطين مرورًا بالشام وبيروت وبغداد وصنعاء، وصولًا إلى كل عواصم العرب".
في هذا الإطار، تشدد المصادر الديبلوماسية العربية على "ضروة أن يستفيد القادة العرب من الأجواء القائمة على المستويين الإقليمي والدولي، حيث باتت العديد من الجهات الفاعلة على المسرح العالمي تؤمن بضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، بينما خسرت إسرائيل نتيجة الجرائم ضد الإنسانية التي أقدمت على إرتكابها في غزّة جزءًا كبيرًا من التعاطف الدولي معها سواءً على المستوى الرسمي أو على مستوى الرأي العام الغربي"، مشيرةً في ضوء ذلك إلى كون الوضع السائد "يُحتّم على العرب أن يذهبوا باتجاه اتخاذ قرارات استثنائية جريئة لاقتناص الفرصة التاريخية السانحة راهنًا، وهم لا ينقصهم في هذا السبيل سوى الجرأة لأنّ لديهم الكثير من القدرات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن إستخدامهم لصون حقوقهم واستعادة هيبتهم بين الأمم".
بناءً على ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى أنّ "أهمية الحدث الفلسطيني لا ينبغي أن تحجب الأنظار عن مجموعة من التحديات الأخرى التي تترك تداعيات خطيرة على الواقع العربي، منها إستمرار الحرب في السودان والأزمات في كل من سوريا واليمن وليبيا والصومال ولبنان، حيث تؤكد هذه التحديات ضرورة العمل على بلورة حلول عربية لها بشكل جماعي، كي لا تبقى ساحةً لحروب الآخرين، خصوصًا وأنّ التجارب أثبتت أن تخلي العرب عن دورهم خلق فراغًا سارعت العديد من الجهات لكي تملأه عبر العبث بأمن الدول العربية والسيطرة على مقدّراتها... وهو ما سينتقل من ساحة إلى أخرى، مع مرور الوقت، نظرًا إلى أنّ الأطماع الخارجية لا تقتصر على دولة عربية بحد ذاتها بل هي بمثابه "التسونامي" الذي لن تستثني أمواجه أيًا من الدول العربية من الخليج إلى المحيط، والتصدي لها لن يكون إلا بخروج العرب من دائرة الحسابات الضيّقة نحو الفضاء المشترك الأوسع في عالم يلتهم الكبير فيه الصغير".
(خاص "عروبة 22")