لم يكن الهجوم الأخير إلاّ تمرينًا أو تجريبًا لخوض المعارك على نحو مغاير يُجنّب إسرائيل الخسارات البشرية والمادية، باعتمادها على قاعدة الخرق الأمني لسلاسل التّوريد والتجسّس واختراق البيانات كما حدث في التّفجير الأخير بعد الضبط الاستخباراتي لصفقة أجهزة "البيجر" و"الآيكوم".
إنّ استمرار الثغرات الفادحة في محور إيران وشبهة اختراقها أمنيًا من الداخل، سيجعل من هذا التمرين قاعدة ثابتة على المدى القريب والمتوسّط، لا يتمّ من خلالها تصفيّة قادة المحور الأشدّ عداء وذكاء ضدّ إسرائيل فقط، بل سينسف أحلام المحور ويكسر أنفاس المقاومة الفلسطينية تبعًا لتدخّل قوّة متعالية تكاد تكون "سحرية" باعتبارها قادرة على تدمير كثير من الجنود بسرعة فائقة وبدقّة متناهية بدون مواجهات بشرية مباشرة.
الحرس الثّوري مخترق وفيه عناصر تزوّد إسرائيل بمعلومات دقيقة للغاية
إن دعوة بنيامين نتنياهو وزراءه إلى عدم التّعليق على هذه التّفجيرات، لم تكن بدافع التحلّل من مسؤولية ما وقع، وإنّما خوفًا من زلّة لسان قد تشير إيحاءً إلى جانب من جوانب "المونتاج" السرّي في مسلسل الاختراق بكل أنواعه، وهذا ما أشارت إليه "نيويورك تايمز". خاصة أنّ شركة "غولد أبوللو" التايوانية صانعة "البيجر" قيد المساءلة قد أعلنت عن إخلاء مسؤوليتها من زرع المتفجّرات داخل هذه الأجهزة التّي طلبها "حزب الله"، مع إلقائها المسؤولية على نحو غير صريح على الشّركة الأوروبية المجرية "باك" التي أوكلت إليها مهمة تصنيع طلبية "حزب الله" لهذا "البيجر". لكن صحيفة "نيويورك تايمز" استنادًا إلى مصادرها أكّدت على أنّ إسرائيل قد حبكت خطّة التحكّم في صفقة الأجهزة لزرع مواد متفجّرة من داخلها. وقد ردّدت بما يشبه اليقين الجزم نفسه منذ مقالتها سنة 2020 حول اغتيال العالم النووي محسن زاده وأبو محمد المصري في طهران وقصف منظومة صواريخها "إس- 300" الرّوسية على أراضيها إلى قصف معقل "حزب الله" في ضاحية بيروت مستهدفةً فؤاد شكر، لناحية التأكيد على أنّ الحرس الثّوري مخترق وفيه عناصر مجهولة تزوّد إسرائيل بمعلومات دقيقة للغاية.
هناك هزيمة استخباراتية لا بد من مواجهتها بنقد ذاتي يبدأ بقول الحقيقة
هناك مفارقة عجيبة تستدعي أكثر من سؤال. إذا كانت إيران قد شكّلت منظومة سيبرانية قويّة وقد نجحت منذ 2009 في شنّ هجمات نوعية مثل هجماتها على موقع "بايدو" و"تويتر"، واختراقها عبر ما أُطلق عليه حرب "القرصنة الصّينية الإيرانية" لخوادم الوكالة الدّولية للطّاقة الذرّية، واعتبارها رابع أقوى جيش إلكتروني في العالم بتأكيد من معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، فلماذا تبدو الآن أبوابها الأمنية ونوافذها مشرعة على مصراعيها؟ ولماذا فشلت في تجنيد عناصرها والعملاء للقيام بالمهام نفسها التّي تقوم بها "الموساد" ضدّ زعمائها وقادتها؟ من كشف العميل الإسرائيلي موتي مامان للمخابرات الإسرائيلية بعد تجنيده من طرف إيران لاغتيال رئيس الوزراء أو رئيس جهاز الأمن الدّاخلي أو وزير الدّفاع؟.
كلّ هذه الأسئلة وغيرها، تؤكّد على أنّ هناك هزيمة استخباراتية وليست عسكرية، ولا حتّى سيبرانية، لا بد من مواجهتها بنقد ذاتي وبإعادة ترتيب المسؤوليات والقطع مع الأساليب التّقليدية في إدارة الحرب والصّراع ضدّ إسرائيل. يبدأ هذا النّقد الذّاتي بقول الحقيقة وترصيد حدث "طوفان الأقصى" بالمراجعات الفورية لكلّ الأخطاء المتراكمة، تبدأ بوضع الحدود السياسية الضّرورية في مواجهة كل من يريد إعادة القضيّة الفلسطينية خلال التّفاوض إلى نقطة الصّفر!.
(خاص "عروبة 22")