ونحن نتم عاماً من عدوان الاحتلال الإسرائيلي على غزة، فإن هذا العدوان لم يتوقف، ونراه يتوسع فى جبهات أخرى بلبنان، حيث الضاحية الجنوبية تُضرب بقسوة لتهجير سكانها، وقد شهدت واقعتي اغتيال الأمينين العامين لـ"حزب الله" (حسن نصر الله)، وخليفته (هاشم صفي الدين)، وجميع مرافقيهم، بمن فيهم إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، ومما يدل على قسوة هذه الاغتيالات فإن الأجهزة المساعدة لانتشال جثث الضحايا في أعماق الضاحية لم تصل إليهم حتى الآن، ومازالت أخبار اغتيالهم محض تكهنات عالية التقديرات لاختفائهم تماماً، سواء في وسط "حزب الله" ببيروت، أو طهران.
لقد أوجد ترقب الغزو البري للبنان أحداثاً يُفترض أن تكون غير تقليدية، مهما تتكرر، مثل تحليق، وقصف مستمر، للطيران الإسرائيلى، واغتيالات بالجملة، ومشاهد الشهداء، والجرحى، والبيوت المهدمة، وحتى كمائن المقاومة، وقذائفها، وصواريخها، وإذا أضفنا مشاهد النازحين على الطرقات، فإن صور لبنان قاسية على السمع والرؤية، لكن كل ما يحدث غير مسبوق على مستويات عدة، فهذه هي أطول حرب تخوضها دولة الاحتلال منذ تأسيسها على أنقاض مدن الفلسطينيين، وقراهم عام 1948، وقد حشدت إسرائيل لحربها القادمة في لبنان نحو 360 ألف جندى احتياطي في أكبر "تعبئة" منذ حرب أكتوبر 1973.
إنني لا أبالغ إذا قلت إن الحرب الحالية في غزة، وما بعدها في لبنان، أو خلالها، تعد نقطة تحول إستراتيجي لجيش الاحتلال في صراعاته بالمنطقة، والتي ينتقل بموجبها من الاعتماد على المعارك والحروب الخاطفة، إلى الحروب الطويلة، وللذكرى فإن سجل إسرائيل في الحروب الخاطفة مشوب بالكثير من الإخفاقات على الإطلاق، أبرزها حرب أكتوبر 1973، التي تمر الآن ذكراها العطرة.
لكن الخطر كل الخطر هو ما تنتظره من مقامرة نتنياهو في حربه المباشرة مع إيران، حيث تقديرات هذه الحرب فاقت 67 مليار دولار من النفقات الدفاعية، وتبقى الحقيقة المؤكدة أن زمن الحروب الإسرائيلية الخاطفة قد ولى، وأن على إسرائيل، بل المنطقة بأسرها، أن تتكيف مع المتغيرات التي عشناها خلال عام، منذ أن انطلقت حرب الاحتلال الملعونة.
(الأهرام المصرية)