هبت علينا رياح عبثية، منذ أن أطلق بنيامين نتنياهو رهانه عن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط، وراح يكرر أقاويله، حتى في كلمة ألقاها مرتين، في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة، ويومها حرصت أغلبية الوفود على مغادرة القاعة، رفضاً للاستماع إليه.
ثم خرجت من الولايات المتحدة وثائق أمريكية، كشفت عن جانب مكمل لهذه الخرافة، وهو ما صورته خريطة صدرت في أمريكا عام 2006، ولها اتصال بخطه سبقتها بخمس سنوات، وكل ذلك يتصل بمشروع قديم للحركة الصهيونية، سبق أن أعلنه ثيودور هيرتزل، عندما افتتح أول مؤتمر للحركة عام 1897 بمدينه بازل في سويسرا.
ففي عام 2006 وُزعت على الدوائر السياسية الأمريكية، خريطة صاغها الكولونيل رالف بيترز العضو المتقاعد بقياده أكاديمية الحرب الأمريكية، ونشرتها مجلتها American War Magazine، تحت عنوان: "حدود الدم.. مشروع إعادة تخطيط حدود الشرق الأوسط". تحدث عنه بيترز شارحاً إعادة رسم خريطة للحدود بين دول المنطقة، من وجهه نظر أمريكا وإسرائيل معاً.
وقتئذٍ نشرت كتابات بحثية ومقالات، تناولتها بالتحليل تحت نفس العنوان "حدود الدم"، متضمنة خطة أمريكية لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط، ثم أضافت في النهاية قولها، إن تلك الاستراتيجية قد فشلت. ثم لحقت بهذه الآراء مؤسسة Alliance For Justice، وهي مجموعة مهتمة بالأحداث السياسية المتصلة بالقانون وشرعيته، وهي عبارة عن ائتلاف من 100 شخصيه وتأسس عام 1979.
وقالت المجموعة إن الخريطة التي نشرت بمجلة الحرب الأمريكية، تعني أن لأمريكا هدفاً يرمى إلى جعل الشرق الأوسط يخضع لهيمنتها. قبل ذلك بسنوات، وفي عام 2003، كان الرئيس الأمريكي جورج بوش، قد ألقى خطاباً أمام "معهد أمريكان إنتر برايز" في واشنطن، أعلن فيه أن حرب العراق ستكون مقدمة لتغيير خريطة الشرق الأوسط.
وتوافق مع ما أعلنه بوش في خطابه، تشكيل لجنه في إطار "معهد أمريكان إنتربرايز"، تضم مجموعة من الخبراء، برئاسة مايكل لادين الإسرائيلي الأصل، وصاحب نظرية الفوضى الخلاقة، وضعت تفاصيل مشروع تغيير دول الشرق الأوسط من داخلها، سياسياً، واقتصادياً، وثقافياً، يتحقق خلال 10 سنوات، ويتضمن إشعال الفوضى في أرجاء المنطقة بصورة تؤدي إلى هدم مجتمعاتها، وهو ما شرحه لادين تفصيلياً في كتابه Total Wor، لتفكيك دول المنطقة بهدف السيطرة عليها.
ثم لحقت "مؤسسه هيريتاج"، وهي من أكثر مراكز الفكر السياسي الأمريكي تطرفاً، ونشرت وجهة نظرها بمجلتها Policy Review، عن إعادة هيكلة الشرق الأوسط، ليصبح، حسب تعبيرها، مكاناً أكثر أمناً لأمريكا. في نفس الأوقات تقريباً، كانت إسرائيل قد أتمت صياغة استراتيجية تسير بالتوازي مع التوجهات الأمريكية الرسمية، والتي عبّرت عنها ما عرف بوثيقة القرن الأمريكي الجديد، التي كانت تمثل منهاجاً لجماعة المحافظين الجدد، وتنص على إضعاف أية قوه إقليمية بالمنطقة.
عندئذٍ تعالت أصوات أمريكية، تحذر من خطورة هذه السياسات على مصالح أمريكا ذاتها، منها "مجلس العلاقات الخارجية" في دراسة عنوانها "سياسة أمريكا في الشرق الأوسط وعملية السلام". كما لوحظ أن الخطة الأمريكية لإعادة رسم خريطة حدود الشرق الأوسط، قد نوقشت في اجتماع تدريبي للدول الأعضاء في حلف الناتو، لكن أغلبية الحاضرين رفضوها كلية.
إن العودة إلى وثائق قديمة ليست مضيعة للوقت، لأن مخططات المؤامرة التي ترفع إسرائيل شعاراتها اليوم عن شرق أوسط جديد، ليست وليدة اليوم، لكن لها بدايات معلنة منذ سنوات، وأن أمريكا ليست مجرد داعم لإسرائيل، بل هي شريك رئيسي لنفس منهجها في التفكير.
ولا يفوتني أن أنقل هنا ما سبق أن سجله الجنرال ويسلي كلارك، وكان من قبل قائداً لقوات حلف الأطلسي في أوروبا، في كتابه "كسب الحرب: العراق والإرهاب والإمبراطورية الأمريكية"، والذي شرح فيه تفصيلياً ما أبلغه به ضباط كبار في البنتاغون، من أن حرب العراق ستكون مقدمة، يتم بعدها استهداف سبع دول بالمنطقة، وأن الهدف تغيير الشرق الأوسط بكامله. وأن هذا المشروع يعيد رسم الخريطة الإقليمية للشرق الأوسط، في إطار نظام إقليمي جديد.
(الخليج الإماراتية)