اقتصاد ومال

كيف يتجنب اليمن الانهيار الاقتصادي الشامل؟

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

رسم البنك الدولي صورة قاتمة للوضع الاقتصادي في اليمن خلال العام المقبل، إلا أنه في الوقت ذاته فتح ثغرة لأمل التعافي إذا ما تم التوصل إلى اتفاق سلام بين الحكومة اليمنية والحوثيين، مؤكدًا أنّ حجم الانكماش الاقتصادي سيبلغ 54% منذ بداية الصراع.

كيف يتجنب اليمن الانهيار الاقتصادي الشامل؟

وفي تقرير للمرصد الاقتصادي، أكد البنك الدولي أنّ الآفاق الاقتصادية لليمن خلال العام المقبل لا تزال قاتمة، بسبب استمرار الصراع الإقليمي، والصراع الداخلي، الذي يهدد بتعميق التشرذم في البلاد وتفاقم أزمتها على الصعيدين الاجتماعي والإنساني. لكنه لفت إلى أنه إذا ما تم التوصل إلى اتفاق سلام دائم، فيمكن لمكاسب السلام المحتملة أن تحفز التعافي الاقتصادي السريع. ورأى أنّ من شأن حدوث ذلك أن يمهد الطريق أمام حصول البلاد على المساعدات الخارجية الحيوية، وإعادة الإعمار، وتنفيذ الإصلاحات اللازمة لتحقيق استقرارها واقتصادها.

دينا أبو غيدا، مديرة مكتب البنك الدولي في اليمن، تحدثت عن تزايد حدة التحديات الاقتصادية والإنسانية في البلاد، إلا أنها عادت وأكدت أنّ الفرصة لا تزال قائمة لتغيير هذا المسار من خلال تقديم الدعم المناسب واتخاذ إجراءات عاجلة، منها معالجة اختلالات حسابات المالية العامة والحسابات الخارجية، والتخفيف من حدة انعدام الأمن الغذائي، وتحقيق المزيد من الاستقرار.

تقرير البنك الدولي الذي تناول التحديات المتصاعدة أمام الاقتصاد، توقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي لليمن بنسبة 1% خلال العام الحالي، وذلك بعد انخفاضه بنسبة 2% في عام 2023، مما يؤدي إلى المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي الحقيقي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54% منذ عام 2015.

بيانات البنك الدولي تُظهر أنّ الصراع قد دفع معظم اليمنيين إلى براثن الفقر، وأوصل حالة انعدام الأمن الغذائي إلى مستويات غير مسبوقة، حيث يعاني أكثر من 60% من السكان من ضعف قدرتهم على الحصول على الغذاء الكافي. كما يسلط الضوء على المصاعب الاقتصادية الكبيرة بسبب استمرار الحصار الذي فرضه الحوثيون على صادرات النفط، والذي أدى إلى انخفاض الإيرادات المالية للحكومة المعترف بها دوليًا بنسبة 42% في النصف الأول من هذا العام، مما منعها من تقديم الخدمات الأساسية للسكان.

ويرى البنك الدولي أنّ توقف الحكومة المعترف بها دوليًا عن تصدير النفط، إلى جانب الاعتماد الكبير على الواردات، أدى إلى تكثيف الضغوط الخارجية، مما تسبب في انخفاض قيمة الريال اليمني في أسواق مدينة عدن التي تُتخذ عاصمة مؤقتة للبلاد، من 1,619 ريالًا للدولار في يناير/كانون الثاني 2024، إلى 1,917 ريالًا بنهاية أغسطس/آب. ونبه إلى أنّ التوترات الإقليمية، وخاصة في البحر الأحمر، أدت إلى انخفاض حركة الملاحة بأكثر من 60% عبر مضيق باب المندب الاستراتيجي وقناة السويس، غير أنه أكد أنّ هذه الاضطرابات لم تسفر بعد عن زيادة كبيرة في الأسعار.

وعلى وقع التراجع غير المسبوق لسعر الريال اليمني مقابل الدولار الأمريكي والذي وصل إلى 2042 ريال لكل دولار للمرة الأولى في تاريخ البلاد، وصف رئيس الوزراء اليمني أحمد بن مبارك ذلك بالأمر "غير المبرر"، وقال إنّ حكومته تواجه في هذا الجانب معركة لا تقل أهمية عن المعركة العسكرية لاستعادة الدولة وإنهاء الانقلاب.

واستند رئيس الحكومة اليمنية في دفاعه إلى أنّ التقديرات المالية والنقدية تشير بوضوح إلى أنّ الانخفاض الحاد في أسعار الصرف غير منطقي، ولا يتناسب مع حجم الكتلة النقدية المتداولة، واعتبر أنّ ما حدث يشير إلى وجود مخطط مدروس يستدعي التكاتف لمواجهته.

ووسط مخاوف من انهيار اقتصادي غير مسبوق ذكر مسؤول في مكتب المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن أنّ هناك مشاورات ونقاشات مستمرة مع إدارة "البنك المركزي اليمني" في صنعاء وعدن؛ لإيجاد حلول تقنية ومستدامة؛ لتجنب انهيار اقتصادي أعمق، وأنّ تلك النقاشات تشمل تقييم العرض النقدي الأمثل، وتوحيد سعر الصرف في جميع أنحاء البلاد. ورأى أنّ إيجاد عملة موحّدة، وتوحيد المصرف المركزي، يجلبان قوة مالية، وتحفيزًا للاقتصاد وزيادة في القوة الشرائية، مشددًا على أنه لمصلحة الشعب، يجب إبقاء هذه القضايا بعيدًا عن التسيس.

‏لكن عبد الغني الإرياني، وهو باحث أول في مركز صنعاء، يشكك بنجاح أي جهود أممية في الوقت الحالي لتنفيذ خارطة طريق السلام التي اقترحتها السعودية وسلطنة عمان في اليمن قبل عام، ويقول إنه والى ما قبل 7 أكتوبر، كان المجتمع الدولي ينظر لإيلاء السعودية‬ ملف اليمن شأنًا خاصًا، لكنّ الحوثيين غيّروا من ذلك بهجماتهم في البحر الأحمر‬، وأصبح هناك إجماع دولي بأنه لا بد من احتواء الحوثيين وضمان ألا يهددوا في المستقبل خطوط الملاحة الدولية. ولهذا يلفت الإرياني إلى أنّ القائمين على الشأن الحوثي في هذه المرحلة هم "متطرفون مرتبطون بإيران مباشرة"؛ وبالتالي لن يتوقفوا عن القيام بدورهم في "الدفاع عن طهران" حتى ولو ظهر أنّ تكاليف الحرب ستكون كبيرة جدًا عليهم.

ويعتقد الإرياني أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها إيقاف جماعة الحوثيين هي "عبر اليمنيين أنفسهم"، أي أن تكون هناك قوة حقيقية لدى المعسكر المناوئ لجماعة الحوثي بقيادة موحّدة تستطيع أن تشكّل رادعًا يُقنع الحوثيين بأنه لا يمكنهم فرض إرادتهم بقوة السلاح على سائر اليمنيين.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن