ذكر تقرير "الهيئة" و"النادي"، أنّ معسكر "سديه تيمان" الذي شكّل العنوان الأبرز لعمليات التّعذيب لم يعُد المعسكرَ الوحيد الذي مورست فيه عمليات التعذيب والتنكيل ومنها اعتداءات جنسيّة، بل إنَّ شهاداتِ المعتقلين في غالبيّة السجون المركزيّة والمعسكرات عكست المستوى عينه من التوحّش المُمَنْهَج، ونذكر هنا بشكلٍ أساسي سجن "النّقب"، وسجن ومعسكر "عوفر".
وكان الوزير المتطرّف إيتمار بن غفير قد ظهر في الآونة الأخيرة بفيديو من سجن "ركفيت" متفاخرًا بالتنكيل بالأسرى الفلسطينيين، وهو سجن موجود تحت زنازين سجن "نيتسان الرملة"، أعاد فتْحه مجدَّدًا بعد الحرب لاحتجاز معتقلين من قطاع غزّة، وهو واحد من بين عدة معسكرات "استحدثَها" الاحتلال بعد الحرب لاحتجاز معتقلي غزّة أبرزها "معسكر عوفر، ومعسكر نفتالي، ومعسكر عناتوت، ومعسكر سديه تيمان" وهي المعسكرات المعلومَة فقط لدى المؤسَّسات المختصّة، علمًا أنّ معتقلي غزّة جرى توزيعُهم على كافة السّجون المركزيّة، واحتُجزوا في العديدِ من المعسكراتِ التي أنشأها الجيش ميدانيًا في غلاف غزّة.
ونستعرض في هذا التّقرير بعض الشّهادات المروِّعة للمعتقلين في سجون الاحتلال:
"عذاب الآخرة" وحرق بالماء السّاخن
- المعتقل (ك.ن) البالغ من العمر 45 عامًا: "منذ اعتقالي في شهر ديسمبر/كانون الأول 2023، تعرّضتُ للضرب المبرح، حتى أُصبت بكسورٍ في جسدي، في محاولةٍ لانتزاع اعترافاتٍ منّي، وبقيتُ في معسكرٍ في غلاف غزّة لمدة 58 يومًا، وكانت مثل "عذاب الآخرة"، تكبيل وضرب طوال الوقت، وإذلال وإهانات، وعند نقلي إلى سجن "النّقب"، حرَقوني بالماء السّاخن من خلال رشْقي به بإبريقٍ كهربائي، ولا تزال آثار الحروق واضحةً على جسَدي، اليوم أعيشُ في خِيَام ممزّقة، نعاني من البرْد القارس، ونموت ببطء من البرْد والجوع".
- المعتقل (ع.ه) البالغ من العمر 21 عامًا: "اعْتُقِلْتُ في فبراير/شباط 2024، خلال عمليّة نزوح، نُقِلْتُ إلى أحد المعسكرات في غلاف غزّة، وبقيت هناك 12 يومًا، ثم جرى نقلي إلى معسكرٍ في القدس، ثم إلى عوفر، ثم إلى النّقب، وكلّ رحلة كانَت بمثابةِ رحلة عذابٍ وموت، واليوم كما ترى الدّمامل والجروح والثّقوب تغطّي جسمي، بعد إصابتي بمرضِ "السكايبوس" - الجرَب، واليوم أنامُ على جوع وأستيقظُ على جوع، وإلى جانبِ كل ما أعانيه فإنّني أعاني من مشكلة ضغطِ العيْن، وقد أُصاب بالعمى فمنذ طفولتي لم أعد أرى في عيني اليُمنى واليوم عيني اليُسرى باتت في خطرٍ شديد".
تبوّلوا علينا و"ذبحونا من الضرْب"
- المعتقل (م.ح) البالغ من العمر 21 عامًا: اعتُقلت منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، حين كنت برفقة عائلتي. الأيام الأولى على اعتقالي كانت فظيعّة، تعرّضتُ للتّعذيب والتّنكيل، نُقلتُ إلى "ساحة البراوي"، وتعرّضت ليومٍ كاملٍ من الضرب المبرح، "ذبحونا من الضرب" على مدار اليوم، ثم نقلونا إلى مكانٍ آخر، ورشقونا بالمياه العادِمة، وتبوّلوا علينا، ثم نُقِلنَا إلى معسكرٍ لمدة 27 يومًا، هناك بقينا راكِعين على الرّكب، ومعصوبي الأعين، ومقيّدي الأيدي والأقدام، ولاحقًا جرى نقلنا إلى سجن النّقب، وعشنا العذاب والموت البطيء على مدار الساعة". (المحامي لفت إلى أنّ المعتقل (م.ح) خرج وهو يرتدي فانيلا صيفيّة وممزّقة، وكان يرتجفُ من البرد، والجرَب يغطّي جسده).
- المعتقل (م.د): "اعتُقلتُ في أحد مواقع الإيواء، وكنتُ برفقة عائلتي، بعد اعتقالي نُقلتُ إلى غلاف غزّة، واحتُجزتُ لمدة 60 يومًا ثم جرى نقلي إلى سجن النّقب، وجرّاء الضرب المبرّح الذي تعرَّضت له، فقدت عيني البلاستيكيّة، واليوم جرّاء ذلك أعاني من تجويفٍ في العين، ولم يكتفِ الجنود بذلك بل أقْدموا على سلب نظارتي الطبية".
جرائم "مكتملة الأركان"
ويؤكد رئيس نادي الأسير عبد الله زغاري لـ"عروبة 22" على أنّ "نادي الأسير وهيئة شؤون الأسرى يتابعان يوميًا حالات الاعتقال وما يتعرّض له الأسرى، ويضيف: "قُمنا في الأسبوع الأخير بزيارة 23 معتقلًا من غزّة في سجون الاحتلال، حيث حصلنا على شهاداتٍ قاتِلةٍ لهم"، موضحًا أنّ "هؤلاء الأسرى يتضوّرون جوعًا ويرتعشون بردًا، ويموتون تحت الضّرب والتّعذيب الوحشي، منها سكب الماء السّاخن على جسد الأسير، وهذه حالات من سلسلة جرائم لا تتوقّف في السنوات الأخيرة داخل سجون الاحتلال". ويختم: "نحن أمام كارثة حقيقيّة يعيشها الأسرى في سجون الاحتلال وهي جرائم مكتمِلة الأركان والتفاصيل".
بدوره، قال مدير مركز الدّفاع عن الحريات والحقوق المدنيّة، حلمي الأعرج لـ"عروبة 22": "هناك تعذيب مُمَنهج وواسع وعلنيّ بحق الأسرى والأسيرات والأطفال في سجون الاحتلال، ويُنفّذ بأساليب بشِعة وفظيعة تُمارس ليس بهدف انتزاع المعلومات، بل بنزعةٍ ساديةٍ انتقامية من الأسرى وشعبنا، لإخضاعهم وإخضاع الشعب وصولًا إلى قتلهم، وهو ما يفسر استشهاد 55 أسيرًا في سجون الاحتلال منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023".
وأضاف: "هذه جريمة حرب لا تسقُط بالتّقادم، فهي مُوثّقة بكاميرات جنود الاحتلال ووسائل إعلامه، وبالتّالي يمكن ملاحقته بكل مستوياته، السياسي، الأمني، العسكري، القضائي، لأنّهم كلهم شركاء في عملية التّعذيب، من أجل إنصاف الضّحايا ومحاسبة المجرم على جريمته التي أصبح يتفاخر بها".
سياسة نشر "الجَرَب"
وبيّن رئيس الهيئة العليا لشؤون الأسرى، أمين شومان لـ"عروبة 22"، أنّ "الأسرى محرومون من الاستحمام، الأمر الذي أدّى إلى انتشار مرض الجرَب بين الآلاف منهم"، مشددًا على أنها "سياسة مقصودة من قبل مصلحة السّجون الإسرائيلية لنشرِ الأمراضِ المُعدية في صفوف الأسرى في ظل الازدحام الكبير داخل السّجون والمعتقلات الإسرائيلية".
(خاص "عروبة 22")