صحافة

بين واشنطن وطهران... باكستان نحو استعادة التوازن

يوسف بدر

المشاركة
بين واشنطن وطهران... باكستان نحو استعادة التوازن

دفعَ العدوان الإسرائيلي على إيران، فجر الجمعة 13 حزيران / يونيو، القوى الإقليمية إلى إعادة النظر في علاقاتها الأمنية والاستراتيجية، بخاصة أن تهديدات إسرائيل خارج حدودها انتقلت إلى حيز التطبيق العملي. فالزيارة المنتظرة للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان لإسلام آباد، والتي أرجئت الى حين ضبط الروزنامة الباكستانية، تأتي نتيجة لتلك التحولات الإقليمية المتسارعة، إذ تمثل نوعاً من استعراض إيران تحالفاتها الإقليمية، بخاصة أن باكستان أبدتْ دعمها لإيران بشكل واضح على المستويين الرسمي والشعبي خلال الحرب الأخيرة، ما يشير إلى نظرة تتعلق بالأمن القومي المتبادل بين البلدين اللذين يحملان صفة الجمهورية الإسلامية، لكن التباين في طبيعة نظاميهما يستبعد فهم العلاقة بينهما خارج حدود النظرة الأمنية، فباكستان تبحث عن توازن أمام الهند، وإيران كذلك أمام إسرائيل!

ويعني ذلك أن الاحتياج الأمني المتبادل هو عامل التقارب وبناء العلاقات بينهما، فإسلام آباد التي تقلق من جارتها الشرقية، أي الهند، لا تريد أن تجد إسرائيل حليفة الهند على حدودها الجنوبية الغربية. وإسلام آباد لم تخف مخاوفها من أن يكون برنامجها النووي الهدف التالي، ولذلك وافق مجلس شيوخها على مشروع قرار يدعم إيران ضد الهجمات الإسرائيلية، وأعلنت رفع الحالة الدفاعية القصوى كإجراء احترازي وتحذيري لإسرائيل والهند الحليفتين اللتين تتحدثان لغة متشابهة بشأن ضرورة التصدي للأنظمة المتطرفة والداعمة للإرهاب.

يجب فهم التقارب بين طهران وإسلام آباد في إطار طبيعة السياسة الخارجية للأخيرة التي تحددها مركزية جيشها في السلطة، فانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان والعلاقة الاستراتيجية بين واشنطن ونيودلهي وغضب ترامب من الممر الاقتصادي الصيني - الباكستاني (CPEC)، كل ذلك أثر في تراجع أهمية باكستان في السياسة الأميركية، ما دفع إسلام آباد إلى سياسة إعادة التوازن، وهو دور قد تستثمر فيه طهران، بخاصة حكومتها الإصلاحية، التي تسعى إلى حل أزمة العقوبات مع الجانب الأميركي.

فاستضافة رئيس الأركان الباكستاني الجنرال عاصم منير في واشنطن لمدة أربعة أيام، بينما الحرب بين إسرائيل وإيران لم تكن قد انطفأت بعد، ثم إعلان حكومة بلاده ترشيح ترامب لجائزة نوبل للسلام، وبعدها قيام قائد القوات الجوية الباكستانية الجنرال ظهير أحمد بابار بزيارة واشنطن أيضاً، ثم وزير الخارجية محمد إسحاق دار، كلها مؤشرات إلى أن باكستان تعمل على استعادة دورها في السياسة الأميركية، بخاصة أن في شباط / فبراير 2025، أي بعد شهر من تولي ترامب منصبه، صدر بيان مشترك بين الهند والولايات المتحدة ينتقد دور باكستان في الإرهاب العابر للحدود.

والمعروف أن تصريحات ترامب باطنها لغة الاقتصاد دائماً، ولذلك زار نائب رئيس الوزراء الباكستاني، واشنطن من أجل ضبط تفاصيل الاتفاق التجاري في إطار شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة. كذلك، فإن مؤتمر الحوار الأميركي - الباكستاني لمكافحة الإرهاب المقرر عقده في إسلام آباد في آب/ أغسطس، خطوة أخرى على استعادة الشراكة الأميركية في إدارة هذا الملف، بخاصة أن تنظيم "داعش-خراسان" خطر جاد يهدد الدولة الباكستانية.

وتمتد استعادة الدور الباكستاني لدى الولايات المتحدة إلى الوساطة في الملف الإيراني، فوزير الداخلية الباكستاني سيد محسن نقفي حمل رسالة من واشنطن، خلال زيارته لطهران، الاثنين 14 تموز (يوليو)، والتقى مستشار المرشد الأعلى علي ولايتي، وهو ما ترجمته تصريحات وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، الذي شكر نظيره الباكستاني على دور بلاده في الوساطة مع إيران.

(النهار اللبنانية)

يتم التصفح الآن