فيضٌ رهيبٌ إذن من القتل والخراب يستهدف به العدو أهلنا الأبرياء العزّل تحت غطاء دعم أمريكي مطلق بالسلاح والمال والسياسة، بل لامس هذا الدعم حدود المشاركة الفعلية في وقائع حرب إبادة يمعن العدو في ارتكابها كل لحظة بجنون فاق كل الحدود.
تحت وطأة وقسوة هذا الجنون الهستيري والمشاهد المروّعة التي تنقلها الكاميرات على الهواء مباشرةً، تتساءل قطاعات واسعة من شعوب أمّتنا بحزن موجع في هذه اللحظة، إن كان ممكنًا لأهلنا الفلسطينيين في ظلّ كل هذا الإجرام، أن يصمدوا ثم ينتصروا؟.
خسائر العدو تتعاظم يوميًا ولن تستطيع المساعدات الأمريكية الهائلة تعويضها
لقد كتبت في المقال السابق هنا، مبشّرًا بهزيمة العدو، وأكدت استحالة تنفيذ الهدفين "التهجير، واجتثاث المقاومة" اللذين يسعى الاحتلال لتحقيقهما بجرائمه المروّعة والمشينة، لكني اليوم أتوسّع قليلًا في شرح سببين اثنين متكاملين من أسباب يقيني بأنّ العدو مهزوم لا محالة وفلسطين منتصرة حتمًا في هذه المعركة.
وأبدأ أولًا، بأنّ المقاومة الباسلة التي نتابعها الآن وهي تتصدى بشجاعة وبراعة واضحتين لقوات العدو المدجّجة بآلة قتل جبّارة، خصوصًا منذ أن هبطت هذه القوات - بعد طول تردّد - من السماء حيث لا قتال وإنما مجرد عمليات قتل وتخريب لا تحتاج أية شجاعة.
إنّ من آيات براعة المقاومين وكفاءتهم المذهلة، ليس فقط استيعابهم لكل القواعد التكتيكية والاستراتيجية لفنون "حروب العصابات والشوارع"، بل أيضًا إبداع تكتيكات جديدة شديدة الذكاء والمهارة، فضلًا عن اجتراح إبداعات أسطورية في أدوات القتال - رغم الحصار الفظيع المستمر منذ نحو 20 عامًا - بهدف تعويض شيء ولو يسير من الاختلال المريع في توازن القوى مع عدو مسلّح بأحدث وأقوى أسلحة القتل والتدمير الأمريكية.
تعرّى العدو تمامًا أمام عيون قطاعات واسعة وهائلة من الرأي العام الإنساني
وقد أفضت بسالة المقاومة وبراعتها، كما نرى حتى الآن، إلى تكبيد العدو الصهيوني أكلافًا باهظة جدًا على صعيد الخسائر البشرية ووسائل قدراته النارية، أو على الصعيد الاقتصادي حيث توقفت كل مظاهر الحياة في كيانه ومجتمعه، وهي خسائر تتعاظم يوميًا ولن تستطيع المساعدات الأمريكية الهائلة تعويضها، هذا إضافة إلى خسائر أخلاقية فادحة يتكبّدها العدو كلّما مرّت الساعات والأيام، بينما يرتكب جرائمه المتفوّقة في الخسّة والشراسة والجنون ضد الأبرياء العزّل في قطاع غزة.
لقد تعرّى العدو تمامًا أمام عيون قطاعات واسعة وهائلة من الرأي العام الإنساني، وانكشفت بوضوح حقيقته ككيان عنصري عدواني سادر في التوحّش، ولعلّ المظاهرات العارمة التي شارك فيها ملايين البشر من كل عرق ولون تضامنًا مع الشعب الفلسطيني خلال الأيام الماضية، تُجسّد الدليل الساطع على حجم الكارثة التي يواجهها مجتمع العدو حاليًا، إذ هي تفاقم من أزمته البنيوية العميقة من جانب، وتحرمه كليًا على جانب آخر، من تحقيق أي مكسب سياسي من عدوانه وإجرامه، ما سيدفعه في ختام مشوار الجنون إلى الانكفاء مدحورًا.
يبقى ثانيًا وأخيرًا، أنّ تاريخ كفاح الشعوب التي ناضلت وقاتلت من أجل نيل حريتها والدفاع عن أوطانها متخم بنماذج باهرة تجلّت فيها عظمة التضحيات وفيض الأرواح وبحور الدم التي أسالتها أمم كثيرة وهي تناضل وتقاتل بثقة وثبات دفاعًا عن كرامتها وحرية أوطانها، ثم في النهاية فازت هذه الشعوب والأمم بالنصر على أعدائها وأعداء الحياة.
(خاص "عروبة 22")